شبهات حول المسلمات - حقوق النساء في شريعة السماء (1)
الفصل الأول: عصور القهر
لم تكن المرأة قبل الإسلام شيئًا مذكورًا. كانت كل الشعوب
والأمم لا تعترف لها بأية حقوق من أي نوع، فهي عندهم سبب الخطايا
ومصدر الآثام، وهى كذلك عبء ثقيل على الرجل،
عليه إطعامها وكسوتها وحمايتها.
وفى المقابل لا تقدِّم هي شيئًا يذكر - حسب زعمهم - إذ هي لا تستطيع القتال
دفاعًا عن القبيلة والأرض، فهي مصدر القلق والعار إذا انهزم قومها؛
لأن المغيرين يتَّخذون النساء وأطفالهن سبايا.
وكان المتعارَف عليه في كل أنحاء الأرض أنَّ من حق الجيش المنتصر
أن ينهب كل ممتلكات المهزوم، ومنها النساء اللاتي كن من أهم غنائم الحرب،
ويحرص المنتصرون على الاستحواذ عليهن، فهن يحققن المتعة
ويقمن على الخدمة في البيوت، كما يمكن بيعهن في سوق النخاسة
لمَن يدفع أكثر إن لم يقم المهزوم بدفع فدية باهظة لاستردادهن.
ويثبت التاريخ أن الاسترقاق بدأ أولاً بالنساء،
فهن كن أغلب ضحاياه، ولم يخضع الرجال للرق إلا بعد مرور زمن طويل
عندما انتشر العمران، وأراد الغالبون المزيد من الأيدي العاملة الرخيصة
أو المجانية تقريبًا، أما استرقاق النساء فبدأ قبل ذلك؛
لأنهن يقدمن المتعة والخدمة معًا كما أشرنا.
وكانت شعوب - مثل اليهود - تقتل النساء كما تقتل الرجال؛
لأنهم يتوهَّمون أن العرق اليهودي أنبل وأسمى من باقي الأعراق،
ولا يحبُّون أن يختلط دمهم بدماء شعوب أخرى أقل منهم شأنًا وأصالة!!!
وهكذا لا تفقد النساء العرض والحرية والكرامة الإنسانية فقط بل تفقد الحياة أيضًا!!
وكانت المرأة تفقد أطفالها الذين يُباعون في أسواق العبيد المنتشرة
في كل أنحاء العالم، ولا تراهم بعد ذلك، ولا تعرف عن مصيرهم شيئًا أبدًا!!
ولم يكن السيد وحده هو الذي يغتصب السبايا،
بل يقدمهن لضيوفه لمضاجعتهن من قبيل كرم الضيافة!!
وكان إجبار الجواري على الاشتغال بالدعارة ليكسب المالك ثروة من الاتِّجار
بفروجهن أمرًا شائعًا في كل أنحاء العالم قبل الإسلام، ومن الأمثلة على إهدار آدمية
المرأة عندهم ما كان يسمى بـ"حزام العِفَّة"؛ فقد كانت عادة فرسان
أوروبا أن يربط كل منهم حزامًا حديديًّا حول فرج زوجته قبل انطلاقه
إلى الجيش، ليضمن عدم ممارستها الفاحشة
مع رجل آخر أثناء فترة غيابه في الحروب!!
وسبب تفشِّي استخدام "حزام العفة" هذا أنهم كانوا يعتقدون أن المرأة
هي مجرد "حيوان" مسعور الشهوة ولا يمكن الوثوق بها،
أو ضمان سيطرتها على غريزتها الجنسية في غياب الزوج،
فلا مفرَّ إذًا من ربط الحزام الحديدي حول فرجها لمنعها من الفاحشة!!!
وإذا كانت هذه نظرتهم إلى المرأة في الغرب، فإن الشيوعية
في شرق أوروبا لم تأتِ بحال أفضل؛
فقد ذهب مفكرو اليسار إلى حتمية انهيار مؤسسة الأسرة،
وبالتالي تتحوَّل المرأة إلى مجرَّد "آلة" أو أداة من أدوات الإنتاج،
يعاشرها مَن أراد بدون زواج، وبلا تمييز بين زوج أو رجل غريب،
فإذا أنجبت انتزعوا منها طفلها ليُربَّى بعيدًا في مؤسسات
الدولة الشيوعية، ولا تراه أو تعرفه بعد ذلك أبدًا.
فالإنجاب هنا أو ممارسة العلاقات الجنسية يتحرَّر
- كما يرى فردريك أنجلز -
من أيَّة رابطة كالزواج، ويتحرَّر كذلك من أي شعور أو عاطفة كالحب؛
لأنه مجرَّد وظيفة أو شكل من أشكال الإنتاج في المجتمع!!!
ولا تمتلك المرأة عندهم شيئًا من المال شأنها شأن الرجل، فلا ملكية خاصة لأحد،
كما أنها مُجْبَرة على أداء أشقِّ الأعمال في المصانع والحقول مع الرجال
بلا أجر إلا ما يسدُّ الجوعَ فقط لا غير!![1].
وفى دستور الاتحاد السوفيتي الصادر 1977 تأخذ "التعاونيات" مكان الأسرة.
وهكذا فإن الشيوعية كانت تستهدف القضاء التامَّ على الزواج والأسرة التقليدية،
وفى هذا النظام لا حقوق ولا خصوصية ولا حتى دين أو مشاعر إنسانية للمرأة أو للرجل!!
فهي لا تستطيع اختيار الرجل الذي تحبه، ولا يمكنها الامتناع عن ممارسة الجنس
مع أي "رفيق" يطلبها، وإلاَّ كان مصيرها الدفن تحت طبقات الجليد في أعماق سيبيريا!!
وإذا كانوا لا يعترفون لها بأيَّة مشاعر، ولا حتى حق الاحتفاظ بالأطفال أو البيت أو المال؛
فهل يبقى لها في هذا النظام حقٌّ أو كرامة أو حتى كيان إنساني؟!!
وعن أحوال النساء عند الإغريق يقول ول ديورانت في موسوعته:
"كان الزواج عادة يتَّفق عليه والدا الزوجين كما كان يحدث على الدوام في فرنسا القديمة،
أو بين خُطَّاب محترفين، وأكبر ما يهتمُّون به فيه البائنات لا الحب؛
فقد كانت ينتظر من والد الفتاة أن يقدِّم لابنته بائنة من المال والثياب والجواهر،
ومن العبيد في بعض الأحيان، فإذا لم يكن للبنت مال فنادرًا ما تجد لها زوجًا!!!
ومن أجل هذا كان أقاربها يجمعون لها المال إذا عجز الوالد.
وبهذه الطريقة انقلب الزواج بالشراء الذي كان كثير الحدوث في أيام هومر،
فصارت المرأة في عهد پركلي هي التي تشتري زوجها!!
ومن هذا الوضع تشكو "ميديا" في إحدى مسرحيات "يورپديز"،
فلم يكن اليوناني إذًا يتزوج لأنه يحبُّ، ولا لأنه يرغب في الزواج،
فهو كثير التحدُّث عن متاعبه، بل ليحافظ على نفسه وعلى الدولة
عن طريق زوجة جاءته بثروة مناسبة.
ولقد كان الرجل - رغم المغريات كلها - يتجنب الزواج ما دام يستطيع تجنبه،
وكانت حرفية القانون تُحرَّم عليه أن يبقى أعزبَ، ولكن القانون
لم يكن يُنفَّذ دائمًا في أيام پركليز، ولما انقضى عهده زاد عدد العُزَّاب
حتى صار مشكلة من المشاكل الأساسية في أثينا، حقًّا ما أكثر
الأمور التي تدهش الإنسان في بلاد اليونان!
وكان الذين يرضون بالزواج من الرجال يتزوَّجون متأخرين - في سن الثلاثين عادة -
ثم يصرون على الزواج من فتيات لا تزيد سنهن على خمسة عشر عامًا!!
وفي ذلك تقول إحدى الشخصيات في مسرحية ليورپديز:
"إن زواج الشابِّ من زوجة شابَّة شرٌّ مستطير؛ وسبب ذلك أن قوَّة الرجل تبقى طويلاً،
أما نضرة الجمال فسرعان ما تفارق صورة المرأة!!".
فإذا ما تمَّ اختيار الزوجة واتفق على بائنتها، تمت خطبتها
رسميًّا في بيت والدها، ويجب أن يحضر هذه الخطبة شهود،
ولكن حضور الفتاة نفسها لم يكن ضروريًّا.
فإذا لم تتم هذه الخطبة الرسمية لا يعترف القانون الأثينى بالزواج.
وكان يجوز للزوج دائمًا أن يطلقها في أي وقت يشاء بلا سبب.
الطلاق يُبَاح أيضًا إذا تراضى الزوجان،
وكان هذا التراضي يعبر عنه عادة بإعلانه رسميًّا إلى الأركون.
وإذا افترق الزوجان بقى الأطفال مع أبيهم حتى إذا ثبت الزنا عليه.
وجملة القول أن العادات والشريعة الأثينية فيما يختصُّ بالعلاقات
بين الرجال والنساء كانت كلها من صنع الرجال، وهى تمثل النكوص
عن ما وصل إليه المجتمع في مصر وكريت وبلاد اليونان نفسها في عصر هومر،
وتميل بالمجتمع الأثينى ناحية إهدار حقوق المرأة".
ويضيف ديورانت:
"من الأمور التي لا تقلُّ دهشة الإنسان منها عن دهشته
من أي شئ آخر في هذه الحضارة،
أنها ازدهرت من غير أن يكون لها عون أو حافز من المرأة.
اختفت النساء المتزوجات من تاريخ اليونان بين يوم وليلة،
كأن الأقدار قد أرادت أن تدحض حجة القائلين
بأن ثمة ارتباطًا بين مستوى الحضارة في بلد ما ومركز المرأة فيه.
فبينما نرى المرأة في تاريخ هيرودوت في كل مكان،
لا نراها في تاريخ توكيديدز في أي مكان،
وترى الأدب اليوناني من سمنيدز الأمرجوسى إلى لوشان يكرر أخطاء النساء تكريرًا
تشمئز منه النفس، وفى آخر هذا العصر يكرر فلوطارخس الرحيم نفسه قول توكيديدز:
"يجب أن يُحْبَس اسم السيدة المصونة في البيت كما يحبس فيه جسمها"!!.
وهذه العزلة النسائية لا وجود لها عند الدوريين،
وأكبر الظن أنها جاءت من الشرق الأدنى إلى أيونيا، ثم انتقلت من أيونيا إلى أتكا،
فهي جزء من تقاليد آسيا.
ولعل اختفاء نظام التوارث عن طريق الأم، ونشأة الطبقات الوسطى،
وسيطرة النظرة التجارية إلى الحياة، لعل لهذه الأمور أثرها في هذا التغيير؛
ذلك أن الرجال في هذه الأحوال ينظرون إلى النساء نظرة نفعية،
فيَجِدُونَهُنَّ أكثر فائدة لهم في البيت.
وتتفق الصبغة الشرقية التي اصطبغ بها الزواج اليوناني مع نظام العزلة التكية (Attic)،
فهذا الزواج يقطع الصلة بين العروس وأقاربها، فتذهب لتعيش معيشة لا تكاد تختلف
عن عيشة الخدم في بيت غير بيتها. ولم يكن في مقدورها أن تتعاقد على شيء،
أو أن تستدين أكثر من مبلغ تافه، أو أن ترفع قضايا أمام المحاكم.
وإذا مات الزوج لا ترث زوجته شيئًا من ماله.
وحتى العيب الفسيولوجى في أمور التناسل يُعَدُّ سببًا مشروعًا لإخضاعها للرجل.
فبينما كان جهل الرجل فى الأزمنة البدائية في أمور التناسل يؤدى إلى رفع المرأة،
نرى النظرية السائدة في عصر اليونان الزاهر ترفع من شأن الرجل بتقريرها
أن قوة التناسل يختصُّ بها الرجل وحده، وأن المرأة لا تعدو أن تكون حاملاً للطفل ومرضعًا له.
وكان كِبَرُ سِنِّ الرجل عن المرأة وقت الزواج من أسباب خضوع المرأة،
فقد كانت سنه في ذلك الوقت ضعفي سنها، وكان في وُسْعِه
- إلى حدٍّ ما - أن يُشَكِّل عقلها حسب آرائه وفلسفته في الحياة.
وما من شكٍّ أن الرجل كان يعرف ما يتمتع به الرجال من حرية في المسائل الجنسية
في أثينا معرفة تمنعه من أن يجازف بإطلاق الحرية لزوجته أو ابنته،
فهو يختار الحرية لنفسه على أن يكون ثمنها عزلة زوجته أو ابنته.
ولقد كان في وسعها إذا تحجبت الحجاب اللائق بها،
وصَحِبها مَن يوثق به، أن تزور أقاربها،
وأن تشترك في الاحتفالات الدينية - ومنها مشاهدة التمثيل -
أما فيما عدا هذا فقد كان ينتظر منها أن تقبع في منزلها،
وألاَّ تسمح لأحد بأن يراها من النافذة.
وكانت تقضى حياتها في جناح النساء القائم في مؤخِّرة الدار،
ولم يكن يسمح لزائر من الرجال أن يدخل فيه، كما لم يكن يسمح
لها بالظهور إذا كان مع زوجها زائر.
وكانت وهى في البيت تُطَاع في كل ما لا يتعارض مع سلطة زوجها الأبوية.
فهي تدبر شؤون البيت أو تشرف على تدبيرها وهى تطهو الطعام، وتمشِّط الصوف وتغزله،
وتخبط ثياب الأسرة وتصنع فراشها.
ويكاد تعليمها أن يكون مقصورًا على الفنون المنزلية؛ لأن اليونان كانوا يعتقدون
مثل يوپديز أن ذكاء المرأة يعوقها عن أداء واجباتها؛ وكانت نتيجة ذلك أن نساء أثينا
المحصَّنات كن أكثر تواضعًا، وأكثر فتنة لأزواجهن من مثيلاتهن في اسپارطة،
ولكنهن كن في الوقت نفسه أقل منهن ظرفًا ونضوجًا، عاجزات عن أن يكن
رفيقات لأزواجهن؛ لأن عقول الأزواج قد امتلأت وصقلت بتجارب الحياة المختلفة،
ومن أجل هذا فإن الأدب اليوناني لم يستفد شيئًا من نساء أثينا في عصر پركليز.
وكان أرسطوفان يسخر منهن بألفاظ وقحة صاخبة"[2].
ولم يكن الفيلسوف أفلاطون بأفضل رأيًا في المرأة؛
إذ يرى في كتابه عن الجمهورية المثالية أن النساء
هن أدوات للتناسل فقط، فيجب وضعهن في غُرَفٍ خاصة للتناسل
مع رجال بلا تمييز ولا زواج، والأطفال الذين ينتجون عن هذه العلاقات الجنسية
الفوضوية ينتزعون من أمهاتهم بمجرَّد انتهاء فترة
الرضاعة؛ حيث تتولى السلطة تربيتهم في معاهد خاصة،
ولا يرون أمهاتهم بعد ذلك مطلقًا ولا يتعرَّفن عليهن!!
وإذا مارست المرأة دون سن العشرين الجنس أو كان رفيقها أكبر من خمسين سنة
فإن الطفل الذي يولد نتيجة لهذه العلاقة يجب إعدامه بتركه حتى الموت جوعًا؛
لأنه لا يصلح ليكون عضوًا نافعًا حسب زعم أفلاطون!!
ولا يعترف أفلاطون بالأسرة أو الزواج أو أية حقوق للمرأة في حضانة
وتربية فَلَذَاتِ كَبِدِها أو حتى رؤيتهم بعد ذلك مطلقًا!!
وكان الفُرْس يبيحون النساء حتى المحارم لكل الرجال بدون زواج،
وجاءت هذه الإباحة طبقًا لمذهب "مزدك" الذي أعلن أن سبب
كل الفتن هو النساء، ولذلك أباحهن للكافة![3].
وعقب معركة القادسية أمر يزجرد ملك الفرس بقتل كل النساء اللاتي
كن يصرخن حزنًا على القتلى من أقاربهن!!!.
ولم يكن حظُّ المرأة عند الرومان بأوفر من حظها عند الفرس أو اليونان؛
فشعار الروم الشهير كان هو
"قيد المرأة لا يُنزع ونَيْرُها - استعبادها - لا يُخلع"!!
وكانت عقيدة الرومان هي "نجاسة المرأة"
وأنها هي الخطيئة، والابتعاد عنها فضيلة لمَن لا تغلبه الرذيلة!![4].
وكان من نتائج هذا الفكر الظالم انهيار كل مكانة، وانعدام أية حقوق للنساء،
ثم خطا الفكر المسيحي الأوروبي خطوات أبعد وأشد تطرُّفًا وشذوذًا؛
عندما راحت المجامع الأوروبية - مثل مجمع "ماكون" - تبحث في القرن الخامس
الميلادي قضية اختلفوا حولها وهى التساؤل
عما إذا كانت المرأة جسدًا فقط بلا روح، أم أنها جسد وروح كالرجل،
وتغلب الرأي الذي أفتاهم بأن المرأة جسد بلا روح!!
ولم يكن هناك استثناء من هذه القاعدة - على حدِّ زعمهم
- إلا السيدة مريم - عليها السلام- !!
وإذا كان الأمر كذلك فقد أفتوا بأنها لا تصلح إلا لخدمة
الرجل من صباها إلى مماتها، ولا حق لها في شيء
إلا ما يتفضل به عليها سيدها الرجل!!
وما زال معظم الرهبان يظن أن الابتعاد عن النساء ضرورة؛
لأنهن حبائل الشيطان وسبب كل الخطايا!!
ولو قال أحد من المسلمين مثل هذا لقامت قيامة الغرب!!
• وكانت شريعة "مانو" في الهند لا تعترف بوجود للمرأة استقلالاً
عن أبيها أو زوجها أو ولدها في حالة عدم وجود الأب والزوج.
وكانوا لا يعترفون لها حتى بحق الحياة بعد الزوج،
فإذا مات وشرعوا في حرق جثته فإنهم يحرقون الزوجة حَيَّة معه
ويبعثرون أشلاءها مع أشلائه!!
• وفى شريعة "حمورابى" في بابل كانت النساء تعتبر في عداد الماشية والأغنام المملوكة،
وكان عندهم نصٌّ على أنه إذا قتل شخص ابنة رجل آخر فإن على القاتل أن يُسلم ابنته إلى
والد القتيلة ليقتلها قصاصًا وانتقامًا أو يمتلكها كجارية إلى الأبد بدلاً من قتلها!!
وهكذا لا يقتص من القاتل بل تدفع ابنته المسكينة ثمن جريمة أبيها!!
ويظن بعض الناس أن عادة وأد البنات الوحشية كانت موجودة فقط عند عرب الجاهلية،
وهو ظن خاطئ تمامًا؛ إذ أن عادة قتل المولود - الأنثى - عرفتها شعوب كثيرة،
بل كانت - وما زالت موجودة حتى الآن - في المناطق الريفية من الصين.
ولم يُنصف المرأة أي تشريع في أيَّة أمة قبل نزول القرآن الكريم.
وزاد الطين بِلَّة عندما قام اليهود والنصارى بتحريف التوراة والإنجيل
لإضافة نصوص بشعة ما أنزل الله بها من سلطان!!
وعلى سبيل المثال لا الحصر، أضاف المجرمون في التوراة نصوصًا تُلصق
الخطيئة بحواء وحدها، وتزعم أن الشيطان أغوى حواء وساعدته الحية
حتى أكلت حواء من الشجرة المُحَّرمة ليأكل آدم بعدها بدوره، فتسببت حواء
بذلك في طردهما من الجنة!! ونورد فيما يلي النص الذي حرَّفوه بالتوراة
لتأتى القصة على النحو الذي يروق لهم،
وهو الإصحاح الثالث من سفر التكوين الذي جاء به:
"وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية... فقالت للمرأة:
أحقًّا قال الله: لا تأكلا من كل شجر الجنة؟
فقالت المرأة للحية:
من ثمر شجر الجنة نأكل وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة
فقال الله:
لا تأكلا منها ولا تمساه لئلا تموتا.
فقالت الحية للمرأة:
لن تموتا، بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تتفتح أعينكما
وتكونان كالله عارفين الخير والشر،
فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر،
وأخذت من ثمرها وأكلت، وأعطت رجلها أيضًا معها فأكل.
وانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان.
فخاطا أوراق تين، وصنعا لأنفسهما مآزر،
وسمعا صوت الرب الإله ماشيًا في الجنة عند هبوب ريح النهار،
فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله وسط شجر الجنة، فنادى الرب الإله آدم،
وقال له : أين أنت؟ فقال : سمعت صوتك في الجنة،
فخشيت لأني عريان واختبأت.
فقال: مَن أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك ألا تأكل منها؟
فقال آدم : المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة:
فقال الرب الإله للمرأة: ما هذا الذي فعلت؟
فقالت المرأة: الحية غَرَّتْنِى فأكلت.
فقال الرب الإله للحية:
لأنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية.
على بطنك تسعين، وتراباً تأكلين كل أيام حياتك،
وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها،
هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه،
وقال للمرأة: تكثيرًا أُكَثِّر أتعاب حبلك.
بالوجع تلدين أولادًا، وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك،
وقال لآدم : لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلاً:
لا تأكل منها - ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل منها كلَّ أيام حياتك.
وشوكًا وحسكًا تنبت لك، وتأكل عشب الحقل بعرق وجهك، تأكل خبزًا
حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها، لأنك تراب، وإلى تراب تعود...".
وعلى هذا النحو سارت كتب العهد الجديد حيث جاء في
الإصحاح الحادي عشر من كتاب كورنثوس الثاني:
"ولكنني أخاف أنه كما خدعت الحية حواء بمكرها هكذا تفسد أذهانكم عن البساطة التي في المسيح".
وذكر في تيموثاوس من الإصحاح الثاني:
"إن آدم لم يغوِ، ولكن المرأة أغويت فحصلت في التعدي".
وهكذا ألصقت الأناجيل الخطيئة بحواء وحدها على غرار ما فعلت التوراة!!.
ويبدو أن من بَدَّلوا التوراة كانوا يُكِنُّون كراهية شديدة للنساء،
فلم يكتفوا بإلصاق الخطيئة بحواء وحدها وإنما أضافوا نصوصًا
أخرى للحط من قيمة النساء والتنفير منهم، وسار مفكرو النصرانية
على ذات الدرب أيضَا، فهي عندهم
"حبالة الشيطان ومصدر النقمة والشرور، وأسلم ما يكون الرجل أبعد ما يكون عنها".
ومن تلك النصوص التي تبث الكراهية للمرأة:
"إنها إبريق مُلِئ بالقاذورات وفمها مُلِئ بالدم، ومع ذلك يجرى وراءها الجميع".
وحاشا لله أن يهبط الوحي المقدس بمثل هذا الكلام على نبي من الأنبياء
- عليهم السلام - وقالت الموسوعة اليهودية أيضَا:
"وكان الخوف من المرأة باعتبارها مصدر الغواية والإغراء
وسبب الانفلات الكبير في الأمور الجنسية بين عامة الشعب" انتهى[5].
وفى التوراة أيضَا:
"وإذا إمرأة استقبلته في زى زانية وخبيثة القلب" الأمثال10:7.
ووضع المجرمون نصوصًا مماثلة في الأناجيل منها ما يرمى
ابنتي لوط عليه السلام بالفاحشة وينسب إليهما أنهما سقتا أباهما خمرًا
وزنتا معه وحملتا من أبيهما سفاحًا!!
وإذا كانوا قد افتروا هذا على بنات الأنبياء و على السيدة مريم أيضًا
فهل تكون عامة النساء أفضل حظًا عندهم؟!!
وقد استمرت المهانة والإذلال وإهدار آدمية النساء في أوروبا
حتى القرن التاسع عشر الميلادي، ولم تحصل المرأة على أي حقوق هناك
إلا بعد ثلاثة عشر قرنًا كاملة من نزول القرآن الكريم.
ويكفى أن نورد ما قاله لورانس ستون أحد كبار الكُتَّاب الاجتماعيين في أوروبا في كتابه
"الطريق الطويل نحو الطلاق في إنجلترا"،
فقد ذكر ستون أنه كان مسموحًا ببيع "الزوجة" في مقاطعة بريطانيا
ونيو إنجلند إلى شخص آخر بكل أغراضها.
وكان بيع الزوجات يتم علنًا في أسواق الماشية كما تُباع الأبقار والأغنام!!!
لاحظ أننا نتحدث عن الزوجات وليست الجواري!!
واستمرت تلك الممارسات حتى أواخر القرن الثامن عشر،
ولم تتوقَّف طوال قرون رغم استنكار الصحافة المحلية!!
وكان الزوج الذي لا يستطيع تطليق زوجته
- بسبب الحظر القانوني لذلك وقتها -
يطردها من البيت ويحضر عشيقته لتنام معه على فراش زوجته الطريدة،
وينفق على العشيقة من مال الزوجة حتى يدفع الأخيرة إلى الانتحار
أو الجنون أو قتلهما معًا؛ لتتخلص من الجحيم الذي تعيش فيه على الأرض![6].
وفى عام 1790م باعت كنيسة في انجلترا امرأة في السوق بشلنين فقط؛
لأن تلك الكنيسة عجزت عن إيواء المرأة المسكينة أو إطعامها!!!
وسوف يطالع القارئ العزيز في مواضع أخرى من هذه الدراسة
أرقامًا مُفْزِعة تُظْهِر بجلاء أن كثيرًا من الاضطهاد والظلم والجرائم
بكل أنواعها ما زال يرتكب ضد النساء في أوروبا وأمريكا
رغم كل مزاعم المدنية والحضارة والمساواة بين الجنسين!!!
فالمسألة ليست شعارات جوفاء لا صلة لها بالواقع.
إنما يكون احترام المرأة والمحافظة على حقوقها، نابعًا من عقيدة صادقة،
يؤمن صاحبها أن الله تعالى فرض عليه أن يحب لنسائه ما يحب لنفسه،
وإكرام المرأة التي هي أخته في الإنسانية وهى أمه وجدته وابنته وزوجته أيضًا.
وذلك لن يكون بغير الإسلام، ولن تجده عند غير المسلمين.
[1] انظر: فردريك أنجلز: The Origin of the Family.
[2] ول ديورانت، قصة الحضارة - ترجمة محمد بدران - طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب - مصر - الجزء الرابع "حياة اليونان" ص 112-119.
[3] الكامل في التاريخ - لابن الأثير (1/ 318)، وكذلك الملل والنحل للشهرستانى (1/ 249).
[4] المرأة في القرآن - عباس محمود العقاد، ص 48 - طبعة شركة نهضة مصر - القاهرة - مصر.
[5] الموسوعة اليهودية - باللغة الانجليزية - مشار إليه عند زكى على أبو غضة: المرأة في اليهودية والمسيحية والإسلام - ص 244-245 – طبعة دار الوفاء - مصر.
[6] لورانس ستون - الطريق الطويل إلى الطلاق في انجلترا - Road to divorce – England، Oxford University Press - 1990..
الألوكة الشرعية