موضوع: غزوة بني قينقاع الإثنين أكتوبر 05, 2020 12:22 pm
غزوة بني قينقاع
واقعية المنهج الإسلامي:
وجد الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الوقت أن قوة المسلمين تسمح بردع اليهود، فانتقل صلى الله عليه وسلم إلى حصارهم وقتالهم، وإذا قارنا هذا الموقف مع موقفٍ سابق مرَّ بنا في العهد المكي؛ وهو قتل السيدة سميَّة أم عمار بن ياسر رضي الله عنه، واكتفى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ؛ فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ"[2].
ولم يحرك صلى الله عليه وسلم مجموعة الشباب المسلم الذي كان موجودًا في فترة مكة لقتال أبي جهل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يعلم أن القوة الإسلامية لا تسمح بهذا الأمر في ذلك الوقت، لكن الآن فُرض القتال على المسلمين وأُمِر به، بل وقوة المسلمين تسمح بهذا الأمر، فاختار الرسول صلى الله عليه وسلم هذا القرار.
فإذا أردنا أن نتأسَّى به صلى الله عليه وسلم في عَلاقاتنا مع المشركين أو مع اليهود أو مع أعداء الأمة بصفة عامة، فعلينا أن ندرس جيدًا الموقف الذي أخذ فيه الرسول صلى الله عليه وسلم القرار، أيًّا كان هذا القرار.
النفاق يتعانق:
نزل اليهود على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرجوا من حصونهم، وكان القرار هو قتل بني قينقاع.
وهنا جاء عبد الله بن أُبي بن سلول، ولم يكن قد أسلم إلا منذ أيام قليلة، فهو لم يسلم إلا بعد بدر، وكان حليفًا لبني قينقاع، وطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحسن في مواليه بني قينقاع، ورفض رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك؛ لأن ما فعلوه إنما هو جريمة عسكرية كبرى، وفتنة كبيرة تحدث في المدينة، وقد أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم القرار، فكرَّر ابنُ أُبيّ ما يريد مرة وثانية وثالثة، ثم أدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: "أَرْسِلْنِي". وغضب صلى الله عليه وسلم غضبًا شديدًا، وقال له: "وَيْحَكَ! أَرْسِلْنِي". لكن هذا المنافق أصرَّ على إمساك الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال له: "لا والله لا أرسلك حتى تحسن في مواليّ؛ أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود، وتحصدهم في غداة واحدة، إني والله امرؤ أخشى الدوائر"[3].
قال ابن أُبيّ هذا الكلام هكذا بمنتهى الصراحة، فقد كان هذا المنافق حليفًا لبني قينقاع، وكان لهم جيشٌ قوامه سبعمائة رجل؛ أربعمائة حاسر (أيْ: من غير دروع)، وثلاثمائة دارع، وهؤلاء السبعمائة قد منعوه -كما يقول- من الأحمر والأسود. فهذه -إذن- هي القوة الأساسية المساعدة لعبد الله بن أُبيّ زعيم الخزرج قبل أن يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه القوة تمنعه من كل الناس، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرر أن يقتلهم جميعًا في لحظة واحدة.
ويقول المنافق: وربما تدور الدوائر على المدينة بعد ذلك فلا أجد من يحميني. فهو لم يفكر في الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يفكر في الجيش الإسلامي، ولم يفكر في انتمائه، وإنما كان تفكيره في عقائده الجاهلية التي كان عليها، وكانت علاقته باليهود أشد توثيقًا من علاقته برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك كان يعذره رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان ما زال حديث الإسلام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يؤمِّل كثيرًا فيه، وخاصةً أن خلفه مجموعة كبيرة من الناس، فعامله صلى الله عليه وسلم بالحسنى في هذا الموقف، وقَبِل منه أن يفتدي هؤلاء، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط أن يترك اليهود من بني قينقاع المدينة المنورة بكاملهم، وقَبِلَ اليهود بذلك، وخرجوا من المدينة المنورة إلى منطقة تسمى (أذرعات) بالشام، ويقال: إنهم قد هلكوا هناك بعد فترة وجيزة. وبهذا انتهت قصة بني قينقاع من المدينة المنورة.
وقفات مع جلاء بني قينقاع:
اختيار التوقيت المناسب للقرار:
لم يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الوقفة الجادة والقوية مع اليهود، إلا بعد أن اطمأنَّ تمامًا على قوة المسلمين اقتصاديًّا وعسكريًّا، فقد أصبح السوق الإسلامي موجودًا وقويًّا، بينما كانت التجارة في السابق في سوق بني قينقاع. وتخيّل كيف يكون الحال إذا كانت التجارة معتمدة على بني قينقاع حتى هذا الوقت، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أمَّن هذا الجانب من أول أمره، ومنذ وصوله إلى المدينة المنورة.
أصبح الماء -أيضًا- ملكًا للمسلمين، وقد كان في السابق لليهود، ونعرف جميعًا قصة بئر رومة.
والجيش المسلم يعتمد اعتمادًا كُلِّيًّا على أفراده، لا يعتمد على معونات خارجية، ولا على أيِّ مساعدات من خارج المهاجرين والأنصار، بينما كان عبد الله بن أبي بن سلول زعيم المنافقين يعتمد على اليهود في حمايته. وكان هذا الوضع مؤهِّلًًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ قرار الحرب بسهولة.
لم يتساهل الرسول صلى الله عليه وسلم مطلقًا مع اليهود بعد موقفهم مع المرأة المسلمة، ومع الرجل المسلم الذي قُتل، وكان ما فعله اليهود مخالفة صريحة للمعاهدة المبرمة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو سكت الرسول صلى الله عليه وسلم على مخالفة اليهود للمعاهدة المرة تلو الأخرى؛ فإن اليهود من دون شك سيزيدون من تطاولهم، ويدخلون في مرحلة أخرى من الاستهزاء بالدولة الإسلامية وكرامة الأمة الإسلامية.
اليهود بين الأمس واليوم:
من طبائع اليهود الثابتة التي لا ينفكون عنها بحال من الأحوال؛ التطاول الدائم واتخاذ المواقف المعادية كلما زاد سكوت المسلمين عن مخالفاتهم، وقد رأينا هذا في اليهود قديمًا وحديثًا، وسنظل نراه منهم إلى يوم القيامة.
رأينا في العصر الحديث عندما خالف اليهود القوانين الإسلامية، وبدءوا بالهجرة إلى فلسطين مع أن هذا الأمر كان ممنوعًا عليهم، ولكن لأن المسلمين سكتوا عن هذا الأمر، تملّك اليهود الاقتصاد الفلسطيني في داخل فلسطين كلها، ومع سكوت المسلمين استقدم اليهود السلاح الخفيف إلى داخل فلسطين، ثم استقدموا السلاح الثقيل، ومع استمرار سكوت المسلمين جاء قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين بين اليهود والمسلمين، ثُمَّ إقامة إسرائيل سنة 1948م، وحرب 1956م، 1967م، 1982م في لبنان. وهكذا كلما سكت المسلمون أخذ اليهود جزءًا أكبر.
كنا في الماضي نطالب بالعودة إلى حدود التقسيم، ثم بعد ذلك نطالب بالعودة إلى حدود 67، ثم نطالب بالعودة إلى حدود الانتفاضة، وإذا كان اليهود اليوم يقيمون جدارًا عازلاً، فإننا ربما نطالب في المستقبل بالعودة إلى حدود الجدار العازل.
فهذا التساهل مع اليهود هو الذي أدَّى إلى ما آلت إليه أحوالنا اليوم.
وقد تجنَّب الرسول صلى الله عليه وسلم كل هذه المأساة، وأخذ قرارًا سريعًا وحاسمًا بحصار بني قينقاع، ومعاقبتهم بالطريقة التي شُرعت في المعاهدة التي بينه وبينهم قبل ذلك بسنتين.
قوة العلاقة بين اليهود والمنافقين:
هذا هو الملمح الثالث الذي نلاحظه في قضيه بني قينقاع، فمع أن المنافقين لا يختلفون عن المسلمين في أسمائهم وأشكالهم، إلا أنهم يتعاملون مع اليهود بمنتهى الحمية والقوة؛ وذلك لأنهم يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام. وقد استغل اليهود هذه العَلاقة في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد أيامه صلى الله عليه وسلم، وإلى زماننا الآن وإلى يوم القيامة، علاقة وطيدة وأكيدة بين اليهود والمنافقين، وهذا ما أخبر به الله تعالى في كتابه بتعبير واضح وعجيب جدًّا، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الحشر:11].
فجعل الله تعالى المنافقين إخوانًا للذين كفروا من أهل الكتاب، فهذا الأمر في غاية الوضوح في كتاب رب العالمين سبحانه، وفي خطوات النبي صلى الله عليه وسلم، وفي سيرته العطرة كما نرى، فكان هذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم مع بني قينقاع.
د. راغب السرجاني
[1] رواه أبو داود (3001) ترقيم محيي الدين، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود برقم (647). [2] رواه الحاكم في مستدركه (5646، 5666) ترقيم مصطفى عطا، وصححه الألباني في تخريجه لأحاديث فقه السنة لمحمد الغزالي هامش (1) ص81، طبعة دار الشروق، مصر، الطبعة الثانية، 2003م. [3] ابن هشام: السيرة النبوية، تحقيق مصطفى السقا وآخرين، دار إحياء التراث العربي، بيروت، بدون تاريخ، القسم الثاني (الجزء الثالث والرابع) ص48.
أفندينا ♛ و فرح يعجبهم هذا الموضوع
الموضوعالأصلي : غزوة بني قينقاع // المصدر : // الكاتب: أسوتي النبي
أفندينا ♛ و فرح يعجبهم هذا الموضوع
أفندينا ♛
َّسلَطّأّنِ قَِّسوِةّ ♛
♣️ رقم العضوية :
♣️ لوني المفضل : ♣️ جيت فيذآ : 17/03/2020
♣️ موآضيعي : 4304
♣️ إبدآعآتي : 20570
♣️ التقييم : 34745
♣️ حاليآ في : منتديات قسوة وداع
♣️ آلعمر : 45
♣️ ﺍﻟﺤﺂﻟﺔ ﺁﻵﺟﺘﻤﺂﻋﻴﺔ :
متزوج
♣️ جنسي :
♣️ دولتي الحبيبه :
♣️ ﻧﻈﺂﻡ ﺁﻟﺘﺸﻐﻴﻞ :
windows 10
♣️ مشروبي آلمفضل :
♣️ قنآتي المفضلة :
♣️ آلنادي آلمفضل :
♣️ مَزآجِي :
♣️ MMS :
♣️ أوسمتي :
موضوع: رد: غزوة بني قينقاع الإثنين أكتوبر 05, 2020 6:52 pm
الله يجزاك كل خير على مجهودك... ويجعل الأجر الاوفر بميزان حسناتك... ننتظر جديدك...
أسوتي النبي يعجبه هذا الموضوع
الموضوعالأصلي : غزوة بني قينقاع // المصدر : // الكاتب: أفندينا ♛
أسوتي النبي يعجبه هذا الموضوع
فرح
مميزين قسوة
♣️ رقم العضوية :
♣️ جيت فيذآ : 05/07/2020
♣️ موآضيعي : 4069
♣️ إبدآعآتي : 16750
♣️ التقييم : 28191
♣️ حاليآ في : حيث أنا
♣️ آلعمر : 36
♣️ ﺍﻟﺤﺂﻟﺔ ﺁﻵﺟﺘﻤﺂﻋﻴﺔ :
عزباء
♣️ جنسي :
♣️ دولتي الحبيبه :
♣️ ﻧﻈﺂﻡ ﺁﻟﺘﺸﻐﻴﻞ :
windows 8
♣️ مشروبي آلمفضل :
♣️ قنآتي المفضلة :
♣️ آلنادي آلمفضل :
♣️ مَزآجِي :
♣️ My MMS :
♣️ MMS :
♣️ SMS : وتبقى أحلآمنا على قيد الإنتظار
♣️ أوسمتي :
موضوع: رد: غزوة بني قينقاع الثلاثاء أكتوبر 06, 2020 10:17 am
جزاكِ الله خيراً اسمتعت كثيرا بماقرأت هنا كل الشكر لكِ