سألني أحد الصحفيين حديثًا عن سبب الطلاق، يبدو السؤال بسيطًا في ظاهره، لكنه في الحقيقة ليس كذلك، إذ تُظهر مراجعة البحوث حول الطلاق تباينًا كبيرًا من دراسة إلى أخرى في النتائج الإحصائية.
هذا السؤال أصعب مما يتصوره المرء، فهل السبب هو «قشة قصمت ظهر البعير» (كعلاقة غرامية مثلًا)، أم «الاحتراق ببطء»، أي مشكلة طويلة الأمد تزداد حدتها تدريجيًا، مثل انعدام التواصل أو قلة الالتزام؟
يُحتمل أن سبب تباين النتائج البحثية هو كون بيانات البحث تستند إلى ما يعده المشاركون سببًا للطلاق، إذ يُشار إلى الموقف الذي يُعَد (القشة التي قصمت ظهر البعير) ولا يُشار إلى المشاكل طويلة الأمد، فمثلًا يجيب أحد المشاركين: «أقام شريكي علاقة غرامية» (القشة التي قصمت ظهر البعير) فيما يكمن السبب الحقيقي وراء «الافتقار إلى الحميمية» (الاحتراق ببطء). أوضحت بعض الدراسات أن الخيانة هي السبب الأول، وأشارت دراسة ثانية إلى أن السبب هو عدم الالتزام، فيما رأت دراسات أخرى أن السبب هو عدم التوافق التام.
سنتطرق في هذا المقال إلى الأسباب الأكثر شيوعا للطلاق، دون ارتباط بين ترتيب الأسباب وأهميتها، لأن البحث ليس نهائيًّا. استنتجت من طريق خبرتي مع العملاء إلى أن الخذلان -وهذا لا يعني الخيانة بالضرورة- يُعَد السبب الرئيسي لأكثر حالات الطلاق، إذ يصف العملاء شعورهم بالخذلان تجاه آمالهم وأحلامهم فيما يعبرون عن خيانة عهود الزواج، فيُصرِّح الزوجان الحالمان بشعورهما باليأس لأن توقعاتهما لم تتحقق، فينشأ النزاع أو الإدمان أو الانسحاب، ثم الانفصال في النهاية.
إليكم أهم العوامل التي يذكرها الناس أسبابًا للطلاق: عدم التوافق: أي اختلاف قيم الزوجين، مثل أسلوب التربية أو الدين، أو اختلاف الآراء السياسية، أو ركود العلاقة وشعور الشريكين بالملل بسبب غياب الاهتمامات المشتركة.
الاختلافات غير القابلة للتوفيق: يتضمن هذا المصطلح قانونيًا عدة أمور، كاختلاف أسلوب تربية الأبناء، أو الأهداف المختلفة، أو اختلاف التوجهات المالية، أو لجوء أحد الشريكين إلى علاقة خارج إطار الزواج.
المال: يختلف كثير من الأزواج فيما يتعلق بالمال، يرجع ذلك عادةً إلى اختلاف الاتجاهات الشخصية بشأن الكسب والإنفاق والادخار والمشاركة.
ضعف التواصل: يقول الأزواج غالبًا: «نعجز عن التواصل» بمعنى أن النقاشات غير مثمرة أو مضللة أو اجتنابية أو مراوغة. يتعلق الأمر أساسًا بضعف مهارات التواصل، ما يؤدي إلى حجب المشاكل الأساسية الأعمق التي يتجنبها الأزواج أو يخشون التحدث عنها.
النزاع المستمر: يُسمِّم الشجار المحتدم والمتكرر الزواج، إذ يتجادل الأزواج حول أمور كثيرة، وربما حول نفس المواضيع مرارًا وتكرارًا دون التوصل إلى حل، يرجع هذا إلى النزاع على السلطة، أو الافتقار إلى المساواة وتوازن العلاقة، أو عدم وضوح دور كل فرد.
الخيانة: عندما تكون الخيانة السبب، يكون الجرح أعمق من أن يُعالَج، يعتمد الأمر على مدى استعداد الشريكين للصفح والإصلاح.
الافتقار إلى الحميمية: يعاني بعض الأزواج مشاكل في ممارسة العلاقة الحميمة، إذ يُعَد نقص الرغبة الجنسية أو نقص الانجذاب الجنسي مشكلةً طويلة الأمد، لكن العلاقة الحميمية لا تعني الفراش فقط، فالتقارب العاطفي والثقة والاحترام هو ما يحافظ على العلاقة، ولو تلاشت هذه الحميمية، ستتبدد العلاقة الجنسية.
الزواج في سن مبكرة: اعترف كثير من الأزواج المقبلين على الطلاق بأنهم لم يكونوا على استعداد لخوض علاقة طويلة الأمد، وأشار البعض إلى أنهم تزوجوا لأسباب خاطئة، مثل رغبتهم في ترك المنزل أو ضغط الوالدين، «لقد كان مناسبًا جدًا، لكنني لم أكن أحبه حقًا».
الإيذاء (الجسدي، العاطفي، اللفظي، تحت مسمى الوصاية): يسعى الناس إلى الطلاق حين يصبح الإيذاء غير محتمل، ويستهدف الإيذاء عادةً أحد الشريكين، وقد يمتد إلى الأطفال أيضًا، على الطرف المتعرض للإيذاء اللجوء إلى المساعدة القانونية لينهي الزواج في الحالات القصوى.
الإدمان (على الكحول، المخدرات، الجنس، القمار، التسوق، الأدوية الموصوفة): تصبح العلاقة مُهدَّدة حين يكون إدمان أحد الشريكين أقوى من العلاقة، خاصةً لو رفض العلاج أو تكرر انتكاسه، وتنتهي غالبًا بالطلاق.
قضايا أخرى أُبلغ عنها بوصفها أسبابًا للطلاق: اختلاف التوقعات عن الواقع: من أكثر الأخطاء شيوعًا هو توقع تغير تصرفات الطرف الآخر بعد الزواج، «ظننت حقًا أنه عندما يشعر بالأمان معي سيتغير، لكن ذلك لم يحدث». يظن الكثيرون ممن يخوضون علاقة من بُعد أنهم يعرفون الطرف الآخر معرفةً كافية، وأنهم مستعدون للزواج، «اعتقدنا أننا نعرف بعضنا جيدًا، لكنا أدركنا أن هذا غير صحيح».
التعارض مع أقارب الزوجين أو تدخلهم: يثير تدخل أقارب الزوجين الكثير من المشاكل، وهذا يسبب انعدام الشعور بالأمان، «أعتقد أنه ينبغي أن أكون الأهم عند شريكي»، «كانت دائمًا تفضل أمها على حساب احتياجات أسرتنا»، «كان ينافس أبي أو ينتقده».
زيادة الوزن: يرتبط ذلك بفقدان الانجذاب والاحترام، إذا رفض الطرف الآخر أو لم يستطع إنقاص وزنه، لكن ذلك يكون عادةً مشكلةً ثانوية تخفي وراءها مشكلة أعمق في العلاقة.
فقدان الهوية: يؤدي تخلي أحد الطرفين عن حياته المهنية من أجل تربية الأطفال إلى فقدان الشعور بهويته الخاصة، أو قد يرجع ذلك إلى كون أحد الزوجين ناجحًا جدًا أو مشهورًا جدًا: «لقد سئمت العيش في ظله».
عدم الاستعداد لإصلاح الزواج: إذا شعر أحد الشريكين بوجود مشكلة فهي تخص الطرفين، ومع ذلك يكثر أن يشكو أحد الزوجين الآخر: «رفض الذهاب إلى جلسة الاستشارة الزوجية»، أو «حضرنا جلسة واحدة ولم ينجح الأمر».
المرض العقلي أو البدني أو الإعاقة: عندما يُصاب أحد الشريكين بإعاقة خطيرة أو بمرض عقلي أو بدني سيصبح شريكه راعيًا له، لكن يرى البعض أن قيامهم بدور مقدِّم الرعاية غير مقبول، فلا يتقبلون تغيّر الوضع إلى هذا الأمر غير المتوقع، مع ذلك يستمر كثير من الأزواج في علاقتهم ويتقبلون التغير الصعب والبطولي الذي يلعبه مقدمو الرعاية.
وجد جون غوتمان في بحثه أن الاستشارة قبل الزواج تقي من الطلاق مستقبلًا، إضافةً إلى أن المتزوجين يبحثون عن الاستشارة الزوجية بعد فوات الأوان، قد تكون محاولةً أخيرة لإحياء العلاقة، ومع ذلك قد يكون أحد الطرفين راغبًا بالفعل في إنهاء العلاقة.
عند ظهور أي بادرة مشكلة في زواجك عليك أن تتخذ خطوات فعلية لحلها فورًا، أما لو أخفيت مخاوفك أو اعتقدت أن المشاكل ستجد لنفسها مخرجًا، فأنت تمهد الطريق للطلاق، إذا كنت مستعدًا مع شريكك للعمل على إنجاح العلاقة، سيصبح حل المشاكل الناشئة ممكنًا، ابحث عن معالج متدرب بالقرب منك ليرشدك في أثناء الأوقات الصعبة.
أما إذا قررت أنت وشريكك الطلاق، فاختارا طريقًا وديًا مثل (الطلاق التعاوني). إذ سيؤدي الأسلوب العدائي إلى مشاكل طويلة الأمد. تذكر أنك أحببت هذا الشخص يومًا، بل إنك ربما ما زلت تحبه، انفصل عن شريكك باحترام حتى تتعافى وتواصل حياتك.