موضوع: غربة الياسمين الإثنين أغسطس 03, 2020 7:26 pm
غربة الياسمين / خولة حمدي .
كانت المرأة الخمسينية تلبس مريلة المستشفى البيضاء الخالية من الخيوط والازرار ، وشعرها القصير المكشوف يصل بالكاد الى أسفل عنقها ، فوجئت بشكل الغرفة شبه الخالية من كل شيء ، كأن الطاقم الطبي يحرص على ابعاد كل ما قد يسمح للمريضة بالاقدام على محاولة انتحار جديدة ،وذلك يشمل الأدوات الحادة والصلبة والخيوط الرقيقة والمواد الكيميائية .. فبدت الغرفة الصغيرة بمثابة علبة تجارب بيضاء ناصعة .
- لديك نصف ساعة .
قالت الممرضة ذلك وهي تستدير مغادرة لتتركها على انفراد ، بعد برهة من الصمت ، اقتربت ياسمين من مكان روزلين وجلست على الطرف الآخر من المقعد العريض وهي تقول مبتسمة :
- كيف حالك الآن ؟
التفتت روزلين ببطء لتنظر اليها شزرا ، ثم اشاحت بوجهها من جديد بحركة نافرة ، ازدردت ياسمين ريقها بصعوبة وقد ايقنت بان مهمتها ستكون اصعب مما تصورت ، لم تكن تعول على تعاون تلقائي ، لكنها درست أساليب اكتساب الثقة ومد جسور التواصل مع المريضة من خلال الحوار الهادئ والمتفهم ، قالت من جديد محاولة الحفاظ على هدوئها :
- أعلم أن وجودي قد يضايقك .. ولكنني هنا لمساعدتك.
تكلمت روزلين فجأة بلهجة مشحونة بالسخرية :
- هل ساعدت نفسك اولا ؟
زوت ياسمين حاجبيها في استغراب وقالت في تردد :
- لم افهم .. ماذا تقصدين ؟
التفتت إليها روزلين حينها وهي تقول في حدة :
- حين انظر اليك أشعر بأن حياتي ذهبت سدى ، وأن نضالات المرأة الفرنسية لتصبح ندا للرجل ذهبت مع الريح ، في حين أقاتل وغير من أجل حرية المرأة والمساواة مع الرجل على جميع الأصعدة .. أنت ومثلاتك تكرسن فوقية الرجل بقبولكن التواري خلف أكوام الأقمشة ، كأنك بضاعة يخشى عليها من الغبار .
امتقع وجه ياسمين امام هجوم المرأة الشرس ، يبدو انها ستفرغ شحنة الغضب والاستياء من كل العالم في وجهها ، فليكن ، أخذت نفسا قبل أن تقول مستجمعة قوتها :
- يا سيدتي ، لكل فريق نضالاته ، فان كنت انت قد ناضلت من أجل حرية المرأة في التعري من ثيابها ، فأنا اناضل اليوم ايضا من اجل حريتي في ارتداء ما اشاء ، لماذا تقولين بانني اخضع لسلطة الرجل حين اختار هذا اللباس ؟ لماذا لا يكون خيارا شخصيا نابعا من ايمان لا دخل لبشر فيه ؟
هزت روزلين رأسها في عدم اقتناع وهي تقول في ثقة: - لا أصدق أن شخصا عاقلا يختار السجن ويترك الحرية ، وانت يا صغيرتي تأثيرها عليك ، ذلك المجتمع الذكوري الذي نشأت فيه زرع فيك الخوف والقناعة بالوضع ، في حين ان هناك على الضفة الأخرى حياة أفضل .
قاطعتها ياسمين بغتة :
- وما الذي جعلك تقررين التنازل عن هذه الحياة الأفضل ؟
ارتبكت روزلين وظهر على وجهها الوجوم ، ثم قالت وقد عادت إلى انغلاقها :
- حتى الحياة الافضل فيها الكثير من الاعوجاج الذي يجب ان يقوم بالوسائل القصوى .
رمقتها ياسمين لبرهة وابتسمت في اسف ، كانت المرأة ترى انتحارها ضربا من البطولة ، كمن يضحي بنفسه ليعرف الاخرون مستقبلا منيرا من بعده احتجاج يتخذ الموت وسيلة ، سألتها في حزم :
- أين ذهبت المباديء التي ناضلت من أجلها ؟ الم تكن هناك لتساعدك على تجاوز الازمة ؟
الموضوعالأصلي : غربة الياسمين // المصدر : // الكاتب: فرح
أفندينا ♛ يعجبه هذا الموضوع
أفندينا ♛
َّسلَطّأّنِ قَِّسوِةّ ♛
♣️ رقم العضوية :
♣️ لوني المفضل : ♣️ جيت فيذآ : 17/03/2020
♣️ موآضيعي : 4304
♣️ إبدآعآتي : 20570
♣️ التقييم : 34750
♣️ حاليآ في : منتديات قسوة وداع
♣️ آلعمر : 45
♣️ ﺍﻟﺤﺂﻟﺔ ﺁﻵﺟﺘﻤﺂﻋﻴﺔ :
متزوج
♣️ جنسي :
♣️ دولتي الحبيبه :
♣️ ﻧﻈﺂﻡ ﺁﻟﺘﺸﻐﻴﻞ :
windows 10
♣️ مشروبي آلمفضل :
♣️ قنآتي المفضلة :
♣️ آلنادي آلمفضل :
♣️ مَزآجِي :
♣️ MMS :
♣️ أوسمتي :
موضوع: رد: غربة الياسمين الثلاثاء أغسطس 04, 2020 9:10 am
ماأروع قلمك حين يصول ويجول بين الكلمات تختار الحروف بكل أتقان .. تصيغ لنا من الأبداع سطور تُبهر كل من ينظر إليها .. دائمآانتي متألقه لاعدمناك ولك احترامي وتقديري