ما هي الطريقه الشرعيه لتغسيل المتوفي واهم شروط المغسل كلُّ نفسٍ ذائقة الموت، وما من شخصٍ خالدٍ على وجه الأرض، وما خُلقنا إلّا لنعبد الله، ونستعدّ لهذا اليوم المحتوم، لنفوزَ بجنّات الله الخالدة، الّتي وعد بها، ولكنّ موت المسلم يَتَطلّب القيام بعددٍ من الأمور قبل دفنه تحت الأرض، من غسلٍ، وتكفين، ولكلّ خطوةٍ طريقةٌ محدّدة، وصلت إلينا من سنن رسولنا الكريم، صلّى الله عليه وسلّم.
طريقة غسل الميّت
لغسل الميّت شروطٌ وأحكام وكيفيّاتٌ لا بدّ من قيام المغسّل باتّباعها، وهي كالتّالي:
- تجريد الميّت من ملابسه، ومن المستحبّ ستره عن أعين النّاس، ومكروهٌ رؤياه لغير من عُيّن بالغسل.
- ستر عورة الميّت، وهي ما بين السّرّة والرّكبة للرّجل، وما بين السّرّة والرّكبة للمرأة أمام المرأة.
- وضعه على مكان الغسل، أو سرير الغسل، أو مكانٍ مرتفع، ورفع رأسه إلى قرب جلوس المعيّن بالغسل.
- عصر بطن الميّت برفق، لتخرج السّوائل، والتّخلّص منها.
- صبّ الماء بكثرةٍ على الميّت، وغَسل مخرجَي الميّت، بلبس خرقةٍ على يديّ المُعيّن بالغسل، ولا يحلّ مسك العورة باليد مباشرةً للميّت الّذي له سبع سنين فأكثر، ومن المستحبّ عدم مسّ باقي الجسد إلّا بلبس الخرقة على اليد.
- يُوضّأ الميّت ندباً.
- لا يجوز أن يُدخل الماء في فم وأنف الميّت.
- تنظيف أنف الميّت بإدخال أصبعين مبلولين به، وتنظيف أسنانه وشفتيه بالطّريقة نفسها، مع لبس الخرقة على اليدين.
- عقد نيّة المُعيّن بالغسل، لغسل الميّت، وقول (بسم الله الرّحمن الرّحيم) قبل البدء.
- غسل المعيّن شعر الميّت، ولحيته إن كان رجلاً برغوة السّدر؛ حيث تُجهّز بدقِّها في إناءٍ به ماء، حتّى ترغي، وتُضرب باليد ليُتخلّص من التّفل.
- غسل الشّق الأيمن للميّت، ثمّ الشّق الأيسر ثلاث مرّاتٍ، أو خمس مرّاتٍ، أو سبع حسب ما يراه المُعيّن، وحسب ما يقتضيه الحال، مع تمرير اليد على البطن في كلّ مرّة.
- وضع الكافور في آخر غسلة، وهو طيبٌ أبيض، يُطيّب به الميّت، ويُطرد عنه الهوام، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: (اجعلن في الغسلة الأخيرة كافوراً، أو شيئاً من الكافور) متّفق عليه.
- قص شارب الميّت، وتقليم أظافره، وتنشيفه بثوبٍ، حسب بعض أقوال أهل العلم.
- حشو مخرج الميّت بقطن في حال خرج من السّائل شيءٌ آخر، ثمّ غسل المحل، والوضوء.
- تضفير شعر المرأة ثلاث قرونٍ، وسدلها خلفها.
طريقة تكفين الميّت
يُكفّن الميّت في ثوبٍ ساتر كامل جسده، ومن المستحبّ أن تكون ثلاث لفائف، ببسط واحدةٍ فوق الأخرى، ويُوضع الميّت فوق القطع، وتُلفّ عليه، وتُربط من فوق رأسه، ومن تحت رجليه، ومن وسطه بحزام، وتُربط العقد حتّى لا يخرج الميّت من الكفن، ويُشرّع حلّ العقد عند وضعه في اللّحد.
أمّا المرأة، فتكفّن في قميصٍ، ومئزرٍ، وخمارٍ على رأسها، وتُلفّ في لفافتين، توضع طبقة فوق الأخرى، وتُحزم في الكفن، من فوق رأسها، ومن تحت رجليها، ومن وسطها، حتّى ينضبط الوسط.
طريقة دفن الميّت
يُسنّ أن يُدخل الميّت إلى القبر من مؤخّرته، ويوضع على جنبه الأيمن، بجعل وجهه قبالة القبلة، وعلى الّذي يضعه في اللّحد أن يقول:
(بسم الله وعلى سنّة رسول الله أو على ملّة رسول الله صلى الله عليه وسلم) {رواه الترمذي ( الجنائز/ 967) وصححه الألبانيّ في صحيح سنن أبي داود 836}.
من المستحبّ أن يحثو من التّراب ثلاث حثوات، بعد سدّ اللّحد، ويُسنّ أن يُرفع القبر عن الأرض قليلاً، كي يُميّز ولا يهان حوالي شبر، ويجوز أن يُعلّم بحجر، ويرشّ ترابه بماءٍ حتّى يتماسك، ولا يتطاير، ويستحبّ لمن عند القبر أن يَحْثُو من التراب ثَلاثَ حَثَوات بيديه جميعاً، بعد الفراغ من سَدِّ اللّحد.
تغسيل الميّت
التغسيل مصدر الفعل غسَّل، ويعني لغةً: إزالة الأوساخ عن الشيء بإفاضة الماء عليه، والميّت: ضد الحيّ، وهو الذي قد فارق الحياة، أما شرعاً: فهو إفاضة الماء على جسد الميّت وتعميمه على أعضائه بصفة مخصوصة، أما حكم تغسيل الميّت فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه فرض كفاية، أي إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين.
[١]
والسنة عند موت المسلم تغميض عينيه، ففي الحديث:
(دَخَلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ علَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ، فأغْمَضَهُ، ثُمَّ قالَ: إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ تَبِعَهُ البَصَرُ)،
[٢] ومن السنة كذلك شدُّ لحييه حتى لا يدخل في فمه شيء، وتليين مفاصله حتى يسهل غسله؛ وذلك بثني ذراعيه ثم ردّهما إلى جنبه، وثني ساقيه إلى فخذيه وفخذيه إلى بطنه ثم إرجاعهما ممدودتين، وخلع ثيابه حتى لا يفسد جسده بالحرارة، ويجب ستر بدنه بثوب حتى لا تنكشف عورته، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت:
(أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ سُجِّيَ ببُرْدٍ حِبَرَةٍ)،
[٣] ومن السنة وضع شيءٍ على بطنه حتى لا ينتفخ، ووضعه على سريرِ غسله متوجهاً نحو القبلة على جنبه الأيمن، ويكون رأسه أعلى من رجليه؛ ليسهل نزول الماء وما يخرج من بدنه، وتُنفّذ وصيته، ويُقضى دينه لقوله صلى الله عليه وسلم:
(نفس المؤمن مُعَلّقة بدَيْنِه حتى يُقْضى عنه).
[٤][٥]كيفية غسل الميّت
يجب على المُغسِّل ومن يحضر تغسيل الميّت إذا رأى من الميّت ما يُكره، أوما يحب الميّت ستره، أن يستره ولا يذكر شيئاً مما رأى، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(ومَن ستَرَ عَورَةَ مُسلِمٍ في الدُّنيا؛ ستَرَ اللهُ عَورَتَه في الآخِرَةِ)،
[٦] وإن رأى من علامات حسن الخاتمة علي الميت فيُستحب ذكرها؛ حتى يكثر الترحّم عليه، ثم يأخذ في غسله كالآتي:
[٧]
- تجريد الميّت وكيفية وضعه حال الغُسل: ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة في رواية إلى أنه يُستحب تجريد الميّت عند غسله، وذهب الشافعية والحنابلة في رواية أخرى إلى أنه يُغسّل في ثوبه دون تجريده، ثم يُرفع رأس الميّت برفق إلى قرب جلوسه، ويُمرّ المغسّل يده على بطنه ويضغط عليه برفقٍ حتى يُخرج ما به من فضلات، فإذا كان الميّت امرأةً حاملاً فلا يعصر بطنها؛ حتى لا يؤذي جنينها، ويكثر صبَّ الماء حينئذ حتى تزول النجاسة عن بدنه، ويُستحب أن يكون في مكان الغسل بخور أو نحو ذلك؛ حتى لا يظهر من الميّت ريح.
- إزالة النجاسة عن بدن الميّت: بحيث يلبس المغسل قفازين؛ لأنه يحرم مس عورة من له سبع سنين، فينجّي الميّت: أي يغسل فرجه وما خرج منه، ويزيل ما على جسده من نجاسة حتى ينقّى.
- غسل الميّت وتوضئته: بعد ذلك يوضّئه وضوءه للصلاة بماء طاهر مباح، فيغسل كفيه، ثم يمسح بخِرقَة -قطعة قماش- مبلولة أسنانه ومنخريه بلا إدخال ماء كما عند الحنفية والمالكية والحنابلة، وقال الشافعية يُمضمضه وينشِّقه، ثم يغسل رأسه ولحيته برغوة السدر ونحوه، ثم يغسل وجهه، ويغسل يده اليمنى من المنكب إلى نهاية الكفين، ويغسل عنقه من الجهة اليمنى، ثم يغسل شِقّ صدره الأيمن، ويغسل جنبيه مع فخذه وساقه، ثم يفعل ذلك بشِقّه الأيسر، ثم يرفعه من جنبه الأيمن، فيغسل ظهره ووركه وفخذه وساقه، ثم يرفعه من جانبه الأيسر، ويغسل شِقّه الأيسر كذلك، ويطيّبه ويجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً.
- عدد الغسلات: الواجب في غسل الميّت مرةً واحدةً، ويستحب أن يُغسّل ثلاثاً، ويوضّأ الميّت في الغسلة الأولى، فإن خرج من الميّت شيء بعد الغسلة الثالثة أعاد وضوءه، وغسّله إلى خمسٍ أو سبعٍ كما عند أحمد، وذهب مالك وأبو حنيفة إلى غسل موضع النجاسة، ثم يُوضَّأ ولا يجب إعادة غسله، ونُقل عن الشافعي كلا القولين، فإذا خرج منه شيء بعد السبع وضع القطن في مكان خروج النجاسة، ولم يُعد غسله.
- إذا فرغ الغاسل من غسل الميّت: نشَّفه بثوب؛ لئلا يبلَّ أكفانه، ثم يبخر أكفانه بالعود ثلاثاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أَجمرتُم الميتَ فأوترُوا، وفي روايةِ: فأجمروهُ ثلاثًا، وفي روايةٍ: جمِّرُوا كفنَ الميتِ ثلاثًا)،[٨] والتجمير: هو تبخير الكفن بالعود.
- النية في تغسيل الميّت: ذهب الحنفية إلى أن النية ليست شرطاً لصحة الطهارة، فلو غُسّل الميّت بغير نية أجزأ ذلك، وبه قال المالكية والشافعية في الأصح، وهو رواية عند الحنابلة، وذهب الشافعية في رواية أخرى والحنابلة في المعتمد إلى وجوب النية،[١] وذهب الحنابلة كذلك إلى وجوب البسملة عند غسل الميّت.[٧]
- إذا كان الميّت محرِماً: عندما يكون الميت محرِما بحج أو عمرة فإنه لا يوضع عليه طيب، ولا يؤخذ من شعره أو ظفره، فيُجنّب الميّت المُحرِم ما يُجنب في حياته.[٩]
شروط المُغسِّل
ينبغي أن يكون المُغسِّل مسلماً عاقلاً، والأفضل أن يكون ثقةً عارفاً بأحكام الغُسل، ويصح من مميزٍ فلا يُشترط البلوغ؛ لأن المميز يصح غَسله لنفسه، فكذلك يصح لغيره، والأولى بغسل الميّت الذكَر من أوصى إليه الميّت بغسله إن كان عدلاً، ثم والد المتوفى إن لم يكن أوصى، ثم جدُّ المتوفى وإن علا، ثم الأقرب فالأقرب من عصبة نسبه؛ فيُقدَّم الابن، ثم ابن الابن وإن نزل، ثم أخوه لأبويه، ثم أخوه لأبيه، وهكذا حسب ترتيب الميراث، أما الأنثى فتعتبر وصيّتها في ذلك، ثم أمها، ثم أم أمها وهكذا، ثم بنتها، ثم بنت بنتها، ثم الأقرب فالأقرب حسب ترتيب الميراث، ويجوز لكلٍ من الزوجين غسل الآخر، فعن عائشةَ قالت:
(لوِ استَقبَلتُ من أمري ما استَدبَرتُ ما غسَّل رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَّا نِساؤُه)،
[١٠] وليس لرجل غسل من لها سبع سنين فأكثر سوى زوجته، ولا لامرأة غسل من له سبع سنين فأكثر سوى زوجها.
[١١]من يُغسَّل من الموتى ومن لا يُغسَّل
اتفق الفقهاء على أن المسلم إذا لم يمت في حربٍ مع الكفار يجب غسله، واختلفوا في غُسل الشهيد، وغُسل المشرك، وفيما يأتي بيان ذلك:
[١٢]
- حكم غسل الشهيد الذي قُتل في حرب مع المشركين: ذهب الجمهور إلى ترك غسله، ففي الحديث: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَجْمَعُ بيْنَ رَجُلَيْنِ مِن قَتْلَى أُحُدٍ، ثُمَّ يقولُ: أيُّهُمْ أكْثَرُ أخْذًا لِلْقُرْآنِ؟ فَإِذَا أُشِيرَ له إلى أحَدِهِمَا، قَدَّمَهُ في اللَّحْدِ، فَقالَ: أنَا شَهِيدٌ علَى هَؤُلَاءِ يَومَ القِيَامَةِ فأمَرَ بدَفْنِهِمْ بدِمَائِهِمْ، ولَمْ يُغَسِّلْهُمْ)،[١٣] وذهب الحسن البصري وسعيد بن المسيب إلى أن كل ميّت مسلم يُغسّل، واختلفوا فيمن سمّاه النبي -صلى الله عليه وسلم- شهيداً، ولكنه لم يُقتل في حربٍ مع المشركين: فذهب أحمد إلى أنه لا يُغسّل أيضاً، وقال مالك والشافعي بتغسيله.
- حكم غَسل المشرك: ذهب مالك إلى أن المسلم لا يُغسِّل الكافر؛ لأن الغُسل من باب العبادة، وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا بأس بغَسل المسلم قرابته من المشركين؛ لأن غُسل الميّت من باب النظافة،[١٢] وقال الحنابلة: لا يُغسل المسلم الكافر ولو ذميَّاً.[١٤]