" أخي المريض "
أخي المريض : تذكر ـ رعاك الله وشفاك ـ أنه مهما بلغ بك المرض..
فأنت ممن شملهم الله بالرحمة.. وأراد بهم الخير.. فأصاب منهم كي يعطيهم..
وابتلاهم كي يسعدهم.. وأقعدهم في الفراش كي يرفعهم عنده درجات المنازل .
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
«إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده
أو في ماله أو في ولده ثم صبَّره على ذلك حتى يبلغه المنزلة
التي سبقت له من الله تعالى»
[رواه الحاكم] .
هذا البلاء نال من النبيين والصديقين والصالحين..
فلست أول من يمرض.. ولا آخر من يبتلى..
وهذا نبيك صلى الله عليه وسلم دخلت عليه عائشة رضي الله عنها وهو مريض
فوضعت يدها عليه، فوجدت حره بين يديها فوق اللحاف ، فقالت : يا رسول الله،
ما أشدها عليك ! قال :
«إنا كذلك يُضعَّف لنا البلاء، ويُضعَّف لنا الأجر»
قالت : يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء ؟!
قال : «الأنبياء»،
قالت : يا رسول الله، ثم من ؟ قال :
«ثم الصالحون، إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر،
حتى ما يجد أحدهم إلا العباءة يحويها، وإن كان أحدهم ليفرح
بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء»
[رواه أحمد وغيره] .
وهذا نبي الله أيوب لبث في مرضه ثماني عشرة سنة.. وهذا كله تسلية لك، وتذكرة لك..
لتعلم ما في المرض من خير.. وما فيه من ثواب.. ولذلك كان من مفردات البلاء
التي أصابت خيرة الخلق، وسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم .
قال الفضيل رحمه الله :
" إن الله ـ عز وجل ـ ليتعاهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرجل أهله بالخير ! " .
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
" كيف تفعل إذا حل بك المرض ؟ "
أخي المريض :
إذا حل بك مرض في نفسك أو جسمك فقل :
" إنا لله وإنا إليه راجعون "،
فإنها أول عبارات الصابرين كما قال تعالى :
" وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ *
أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ "
[البقرة: 155 - 157] .
أولا : تذكر أنه مجرد اختبار وسينتهي :
فالمرض من مفردات البلاء في الحياة..
وهل الحياة إلا بلاء وتمحيص..
قال تعالى :
" تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ
وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ "
[الملك: 1 - 2] .
قال عبد الملك بن إسحاق :
" ما من الناس إلا مبتلى بعافية لينظر كيف شكره، أو بلية لينظر كيف صبره " .
وكان محمد بن شبرمة إذا نزل به بلاء قال :
" سحابة صيف ثم تنقشع " .
فكن ـ شفاك الله ـ متذكرا لهذا المعنى.. فمرضك مجرد ابتلاء.. سيزول يوما وينتهي..
ويبقى في صحيفتك ثوابه وأجره إذا صبرت.. أو سيئاته ووزره إذا جزعت !
قال بعض الحكماء :
" العاقل يفعل في أول يوم من المصيبة ما يفعله الجاهل بعد أيام،
ومن لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم " .
أخي المريض :
ولئن استطعت التغلب على التسخط والشكوى،
وواجهت مرضك بالرضا والصبر على البلوى،
لأنت إذن من عجب رسول الله
من أمره حيث قال :
«عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن :
إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له»
[رواه مسلم] .
ثانيا : تذكر حسناته وثماره :
فمرضك ـ أخي ـ لو تأملت حسناته وثوابه لهانت عليك آلامه وأتعابه،
ولتسليت عن همه بحسن العاقبة والتماس الأجر من الله..
وحسنات المرض إما :
* ذنب يغفر :
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«ما يصيب المؤمن من وصب، ولا نصب، ولا هم، ولا حزن، ولا غم،
ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه»
[رواه البخاري] .
وحين مرض كعب، عاده رهط من أهل دمشق، فقالوا :
كيف تجدك يا أبا إسحاق ؟
قال :
" بخير، جسد أخذ بذنبه إن شاء ربه عذبه، وإن شاء رحمه،
وإن بعثه؛ بعثه خلقا جديدا، لا ذنب له " .
وتذكر أخي أن تكفير الذنوب بالمرض خير لصاحبها من أن تبقى عليه ذنوبه،
ثم تحصى عليه يوم الحساب، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ،
فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا،
وإذا أراد بعبده الشر أمسك عن ذنبه حتى يوافى به يوم القيامة»
[رواه الترمذي] .
* حسنة تكتسب أو درجة ترفع :
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«ما ضرب على مؤمن عرق قط إلا حط الله عنه خطيئة، وكتب له حسنة ورفع له درجة»
[رواه الطبراني في الأوسط] .
ولأجل هذا جاءت عبارات السلف في مصيبة المرض متضمنة لتلك المعاني
حتى قال سفيان : " ليس بفقيه من لم يعد البلاء نعمة، والرخاء مصيبة " .
ثالثا : اجعله فرصة للمحاسبة :
فالمرض أخي ابتلاء من الله لعبده، وهو وإن كان فيه خير كبير..
إلا أن عامة أسبابه الذنوب والخطايا.. فما نزل ابتلاء إلا بذنب، كما قال تعالى :
" وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ "
[الشورى: 30]،
وكما سبق في الحديث :
" إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا "،
فلفظ العقوبة في الحديث يدل على نتيجة الذنوب فهي التي أوجبتها وألحقتها بالعبد
وإن كان الخير في تعجيلها في الدنيا وتخليصه من وبالها يوم القيامة..
وهذا كله يستدعي من المسلم أن يقف في حال مرضه وقفة محاسبة مع نفسه..
وينظر في أعماله وأفعاله.. ويفتش عن عيوبه وذنوبه.. ويجدد إيمانه بتوبة نصوح..
وعزم على طاعة الله جل وعلا وأداء حقوقه، وحقوق عباده،
فمن وفق إلى ذلك فقد وفق إلى خير عظيم .
رابعا : تضرع إلى الله وحده :
فإنه سبحانه يحب الدعاء.. ويستجيبه لعبده..
لاسيما المضطر، ومن أصابه السوء،
كما قال تعالى :
" أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ "
[النمل: 62] .
وأنت ـ أخي ـ في مرضك أحوج ما تكون إلى الشفاء..
وأحوج ما تكون إلى كشف الهم والبلاء، وإن من أدبك مع الله أن تظهر له وحده
الاستكانة والتضرع.. والخضوع والتذلل، وأن تبث إليه حزنك وهمك
وشكواك تأسيا بالأنبياء،
فهذا أيوب لما أصابه المرض قال :
" مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ "
[الأنبياء: 83] .
وتذكر أن الاستكبار عن الدعاء من موجبات غضب الله، وطول البلاء،
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من لم يسأل الله غضب عليه»،
وكما قال سبحانه عن يونس عليه السلام :
" فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ " .
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
" أدب الصبر على المرض "
أخي الكريم : تذكر أن مرضك تمحيص.. وأن صبرك على مضاره وآلامه
هو أساس نيلك لثوابه.. فإن الله ما ابتلاك إلا ليرى صبرك فيثيبك عليه..
كما قال تعالى :
" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ "
[محمد: 31]،
وقال تعالى :
"وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ
وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" [البقرة: 155] .
وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم،
فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط»
[رواه الترمذي] .
وصبرك على المرض يتحقق بثلاثة شروط :
الأول : ألا تسخط أبدا، وألا تحدث نفسك بالجزع والسخط،
وهذا يستلزم أن تحسن ظنك بالله، وأن تكون راضيا بما قسمه الله لك .
الثاني : أن تمسك عن الشكوى إلا إلى الله وحده .
الثالث : أن تحبس الجوارح جميعها عن فعل ما ينافي الصبر ويضاده .
..................................
" عدم الشكوى إلا إلى الله "
أخي :
إن الله سبحانه هو كاشف الضر والبلوى، ويحب من يدعوه، ويلح عليه في الدعاء،
" وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ "
[البقرة: 186]،
كما أنه سبحانه يكره من المريض أن يشكوه إلى الخلق،
فإن ذلك مناف الصبر، وصفاء التوحيد .
قال معروف الكرخي :
إن الله ليبتلي عبده المؤمن بالأسقام، والأوجاع، فيشكو إلى أصحابه، فيقول الله تبارك وتعالى : «وعزتي وجلالي ما ابتليتك بهذه الأوجاع والأسقام إلا لأغسلك من الذنوب فلا تشتكيني» .
وهذا الإمام أحمد رحمه الله جاءه عُوَّاد يعودونه في مرض فقالوا :
كيف تجدك يا أبا عبد الله ؟ قال : بخير وعافية ، فقالوا له : حممت البارحة ؟
قال : إذا قلت لك أنا في عافية فحسبك، لا تحوجني إلى ما أكره .
فكان رحمه الله يكره أن يسمي مرضه خوفا من أن يدخل ذلك في الشكوى،
فيذهب أجره وثوابه وصبره ورضاه بما كتب الله له .
فتذكر ـ أخي ـ أن تمام الصبر بث الشكوى إلى الله وحده،
كما فعل يعقوب عليه السلام :
" إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ " [يوسف: 86]،
وأن الشكوى إلى غيره سبحانه تقدح الأجر، وربما ألحقت بصاحبها الوزر .
......................
" حسن ظنك بالله "
إن حسن الظن بالله ـ مع إحسان العمل ـ فقه جليل لا يوفق إليه
إلا من عرف الله جل وعلا بأسمائه وصفاته، وقدره حق قدره؛
قال تعالى في الحديث القدسي :
«أنا عند حسن ظن عبدي بي، فإن ظن خيرًا فله، وإن ظن شرًا فله» .
أخي :
فأحسن ظنك بالله.. فهو الذي ابتلاك يريد بك خيرا..
وهو القادر على شفائك إن شاء ! أحسن ظنك بربك فإنما ابتلاك ليغفر لك الذنب..
ويقيك مغبة العقاب يوم الحساب.. ألا ترى كيف استدرج الكفار فعافاهم..
وقواهم وأعطاهم.. وأملى لكثير من الظالمين فما نال منهم مرض..
وما لهم يوم القيامة في العذاب من مرد !
كيف لا تحسن ظنك بالله.. وقد أراد بك خيرا ؟!
كيف لا تحسن ظنك بالله وفضله عليك عظيم ؟!
فقد خلقك وأوجدك.. ورزقك فأغناك.. وأعطاك وكفاك.. وأطعمك وسقاك.. وسترك وآواك..
ولا تزال أنفاسك وعافيتك شاهدة على رعايته وعنايته على ما أنت عليه من البلاء !
" وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا " [النحل: 18] .
كيف لا تحسن ظنك بالله وقد علمت كم شفى من مريض.. وكم عافى من سقيم..
وكم أنجى من مكروب !وكيف لا تحسن ظنك بالله، وقد سبقت رحمته غضبه ؟!
وكيف لا تحسن ظنك بالله، وقد وعدك إن دعوتَهُ بالاستجابة، وإن استغفرتَهُ بالمغفرة،
وإن تقربت إليه شبرا تقرب إليك ذراعا، وإن أتيته ماشيا أتاك هرولة .
كيف لا تحسن به ظنك وهو أقرب إليك من حبل الوريد،
وأرحم بك من رحمتك بنفسك، ورحمة أبويك بك .
فأحسن أخي ظنك بالله، وقد علمت مما تقدم أن بلاءك ومرضك نعمة؛
إن تلقيتها بالرضا والصبر واحتساب الأجر على الله تعالى .
لن تستطيـــع لأمـــر الله تعقيبـــــا فاستنجد الصبر أو فاستثمر الحوبا
وافزع إلى كنف التسليم وارض بما قضى المهيمن مكروها ومحبوبا
" لا تيأس من روْح الله "
أخي المريض :
لا تيأس من العلاج، فإن يأسك من سوء الظن بالله، وهو عليك حرام
بنص قول الله جل وعلا : " وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ
إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ " [يوسف: 87]، وقوله سبحانه :
" لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ ال لَّهِ" [الزمر: 53] .
فاليأس ـ أخي ـ من تسويلات الشيطان، فهو من أحد أسلحته التي يستعملها لإبعاد العباد عن الله، والتفريق بين المؤمن وربه ، وهذا السلاح سلاحه مع عموم أهل البلاء؛ فكيف بالمريض الذي طال به البلاء.. واستطال عليه الداء، فلا شك أن الشيطان ينتهز فرصة ضعفة وضيقة، وعسره لينفث في قلبه اليأس ويقتل في نفسه الأمل في الله .
أخي المريض :
تذكر أن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنه القادر على كل شيء،
" إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " [يس: 82]،
فكم من مريض يئس الأطباء من دوائه، وقنطوا من شفائه، فتضرع إلى الله
واستمطر رحمته، وألح عليه في الدعاء بالشفاء،
" وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ " [الشعراء: 80]،
فاستجاب الله له الدعاء، وكشف البلاء، حتى حار في أمره الأطباء،
وذهلوا وعلموا أن الشفاء بيد خالق الشفاء .
فكم من مريض ابتلي بالسرطان وهو أخبث الأمراض وأعصاها..
فيئس منه الأطباء، وأخبروه باستحالة الشفاء، فلما لجأ إلى الله كشف كربه
وأظهر في شفائه عجائب قدرته ، والقصص في هذا الباب كثيرة لا تحصى .
أخي :
فاحذر أن تيأس من رحمة الله.. فإن يأسك جهل بالله، لما ينطوي عليه من تجاهل لقدرته..
واستكبار على الاستعانة بعظمته.. فالله أعظم من أن يعجزه شفاؤك.. وأرحم من أن يرد دعاءك .
فإن تمادى بك المرض، ودعوت فتأخرت الإجابة فلا تيأس من ربك.. ولا تستعجل الإجابة..
فقد يكون تأخيرها رحمة بك.. وقد يكون اختبارا لإيمانك ويقينك !
تأمل في قول الله جل وعلا عن أيوب :
" إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ " [ص: 44]، فكيف وجده صابرا ؟
لقد ابتلاه في جسده حتى نفر منه الناس كل الناس إلا زوجه، واثنان من أصحابه،
ثم لم يزل الصاحبان معه حتى جاء يوم فقال أحدهما للآخر :
إنما ابتلي أيوب بما ابتلي به بسبب ذنب فعله !
فانظر إلى هذا البلاء ! ثم انظر إلى مدته..
فقد لبث به ثماني عشرة سنة.. لم يجزع ولم يضجر..
ولم يتوان عن طاعة الله ولم يتأخر ! ولم يتسخط من تأخر الدعاء ولم ييأس..
كل هذا وعين الله تراه وترعاه.. فلما علم الله منه ذلك، شهد له بالصبر..
وامتدحه به وبالإنابة إليه.. وأبدل مرضه شفاء، وكفاه وأغناه .
أخي :
فتضرع إلى الله بثقة وعزم.. ونية وإخلاص..
فإنه سبحانه أقرب إليك من حبل الوريد.. وهو نعم المداوي ونعم الطبيب .
أخي المريض :
فها قد علمت أن مرضك.. مهما كان سببه.. ومهما عظم خطبه.. هو رحمة من الله..
يغفر به ذنبك.. وتمحى به سيئاتك.. وترفع به درجاتك،
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«ما ضرب على مؤمن عرق قط إلا حط الله عنه خطيئة وكتب له حسنة ورفع له درجة»
[رواه الطبراني في الأوسط] .
فتذكر أنه نعمة باعتبار ثماره.. وإن كان ظاهره نقمة باعتبار أضراره !
وتذكر أيضا أنه مهما طال فهو في النهاية إلى زوال..
وأن خيره وفضله وثوابه جزيل في المآل !
فاحذر أن تفوت على نفسك فرصة قطف ثماره ! واحذر من الجزع على أضراره..
فإنه نقمة في طياتها نعمة.. وبلية في طيتها مزية.. ومحنة في طيتها منحة..
فاكسبها إذن بحسن الصبر.. وأدب الرضا.. والاستسلام لحكم الله وقضائه،
بل من عمق فقهك وجميل فهمك أن تشكر الله جل وعلا وتحمده على كل حال..
لأنه سبحانه أصاب منك.. وهو سبحانه إذا أصاب عبده بشيء فإنما أراد به خيرا،
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«من يرد الله به خيرا يصب منه» [رواه البخاري] .
وهذا الفقه أعمله السلف الصالح في حياتهم،
فكانوا يفرحون بالمرض والبلاء كما يفرحون بالنعمة والرخاء .
عاد رجل من المهاجرين مريضا فقال :
" إن للمريض أربعا : يرفع عنه القلم، ويكتب له من الأجر مثل ما كان يعمل في صحته،
ويتبع المرض كل خطيئة من مفصل من مفاصله فيستخرجها،
فإن عاش عاش مغفورا له، وإن مات مات مغفورا له،
فقال المريض : اللهم لا أزال مضطجعا "..
الكلم الطيب