| موضوع: مسؤولية رعاية الطفل المعاق في المجتمع". الإثنين يونيو 01, 2020 3:24 pm | |
|
إن رعاية الأطفال المعوقين والفئات الخاصة وتلبية احتياجاتهم والمساهمة في تأهيلهم والتخفيف من معاناتهم، والعمل على دمجهم في المجتمع والحياة العامة؛ يعمل على رفع مستوى كفاءاتهم، وإن خلفية الأطفال المعوقين وتمكينهم من حقوقهم ورعايتهم حق الرعاية في المجتمع الإسلامي تتمثل في:
(أ) الأصول الشرعية العامة: ويمكن أن نؤصِّل لهذه المسئولية الآتي:
أولاً: أنّ ولي الأمر المسلم مسئول عن كل رعاياه في الدولة، والطفل المعوق من رعاياه، فعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" (49).
وفي حديث آخر، عن معقل بن يسار المزني قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلاّ حرّم الله عليه الجنّة " (50).
ثانياًً: أنّ من واجب ولي الأمر المسلم الرفق برعاياه والشفقة عليهم والتخفيف عنهم، وأولى الناس بذلك الطفل المعوق.
ومما ورد في ذلك من النصوص: قوله تعالى : ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ((51)، ومن الأحاديث النبوية، فعن عبد الرحمن بن شماسة قال: أتيت عائشة أسألها عن شيء فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي: " اللَّهُم مَنْ ولِيَ من أمر أُمتي شيئاً، فشقَّ عليهم فاشقُقْ عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفُقْ به" .(52)
ثالثاً: إنّ قضاء حاجات المحتاجين من أولَى الأمور بالاهتمام من قِبل ولي الأمر المسلم . ولذا ورد التحذير الشديد من التهاون في ذلك ، ورد عن أبي مريم الأزدي (رضي الله عنه) أنه قال لمعاوية (رضي الله عنه): { سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: "من ولاّه الله شيئاً من أمور المسلمين ، فاحتجب دون حاجتهم وخَلَّتهم وفقرهم، احتجب الله دون حاجته وخَلّتِهِ وفقره يوم القيامة } فجعل معاوية رجالاً على حوائج الناس" (53).
فانظر إلى ما ورد في الحديث الشريف السابق ذكره، على الحاجات والحوائج، وهو ينطبق على جميع ذوي الحاجات، وكلما كانت الحاجة أكثر طلباً وأهمية كان الوعيد الوارد في الحديث أكّد بالنسبة لمن تهاون تجاهها من الولاة. ويظهر لنا أنّ ذوي الحاجات الخاصة هم الأولى بالرعاية وتقديم احتياجاتهم على غيرهم مراعاة لأحوالهم المعلومة.
رابعاً: إنّ مسئولية ولي الأمر المسلم عن الرعية تشبه مسئولية وليّ اليتيم عن اليتيم، وذلك من حيث قيامه على مصالحه ورعايته لشئونه وصرف المال فيما هو أنفع له مع ترتيب الأمور بحسب أهميتها الأهم فالمهم . وهكذا .. وفي المقابل الاجتهاد في إبعاد كل ما فيه ضرر عليه.
ولذا قال الفقهاء في القاعدة الفقهية : " تصرُّف الإمام على الرعِيَّة منوطٌ بالمصلحة"(54). وعبّر الإمام الشافعي (رحمه الله) عنها بقوله: " منزلة الإمام من الرعية منزلة الولي من اليتيم". وحدثنا "أبو الأحوص" عن " أبي إسحاق" عن "البراء بن عازب" قال: قال عمر (رضي الله عنه): " إنِّي أنزلتُ نفسي من مال الله بمنزلة والي اليتيم … "(55)
وأورد من أدلتها : قوله (صلى الله عليه وسلم): { ما مِن أمير يلي أمور المسلمين ثم لم يجهد لهم وينصح لهم كنصحه وجهده لنفسه إلاّ لم يدخل معهم الجنة }(56).
ومن فروع هذه القاعدة: ذكر الإمام جلال الدين السيوطي الشافعي (رحمه الله) ومنهـا: أنه لا يجوز له أن يقدِّم في مال بيت المال غير الأحْوَج على الأحوج . قال المناوي في فتاويه: فلو لم يكن إمام، فهل لغير الأحْوج أن يتقدم بنفسه فيما بينه وبين الله تعالى إذا قدِر على ذلك ؟ مِلْتُ إلى أنه لا يجوز. واستنبطتُ ذلك من حديث: { إنما أنا قاسمٌ والله المعطي}(57). قال: ووجه الدلالة: أنَّ التمليك والإعطاء إنما هو من الله تعالى لا من الإمام، فليس للإمام أن يملِّك أحداً إلاّ ملّكه الله، وإنما وظيفة الإمام القسمة، والقسمة لا بُد أن تكون بالعدل. ومن العدل تقديم الأحْوج والتسوية بين متساوي الحاجات، فإذا قسم بينهما ودفعه إليهما علمنا أنَّ الله ملَّكهما قبل الدفع، وأنَّ القسمة إنما هي معيِّنة لما كان مبهماً ، كما هو بين الشريكين، فإذا لم يكن إمام وبدرَ أحدهما وأستأثر به، كان كما لو استأثر بعض الشركاء بالماء المشترك، ليس له ذلك. قال: ونظير ذلك ما ذكره الماوردي في باب التيمم: أنه لو ورد اثنان علي ماءٍ مباح، وأحدهما أحْوج، فبَدر الآخر وأخذ منه أنه يكون مسيئاً"(58) .
خامساً: ما فعله عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في خلافته من تدوين الدواوين وتقييد أسماء الناس، وفرض العطاء لهم جميعاً على اختلاف قبائلهم ومراتبهم، قال تعالى: )وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ( (59)، وهذا ما يؤكد يؤكد فقهه في السياسة الشرعية ، ويجسِّد ما تعلمه من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من السعي في مصالح العباد، ولذا أُثر عنه (رضي الله عنه) قوله المشهور في المسئولية: " لو مات جمل ضياعاً على شطِّ الفرات لخشيتُ أن يسألني الله عنه " (60).
ولذا أُثر عن عمر (رضي الله عنه) " أنه منع التسوُّل، وفرض لذوي العاهات راتباً في بيت المال، حمايةً لهم من ذُلِّ السؤال "(61).
سادساً: الدولة المسلمة هي كافل مَن لا كافل له :
وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في ذلك، قوله: { أنا أولى الناسِ بالمؤمنين في كتاب الله عز وجل ، فأيُّكم ما ترك ديناً أو ضيعة فادعوني ، فأنا وليّه ، وأيكم ما ترك مالاً ليؤثر بماله عصبته من كان } (62).
• قوله : " مَنْ ترك كَلاًً – أي ذرية ضعيفة – فليأتني فأنا مولاه " (63).
ولذا نجد أنَّ الفقهاء (رحمهم الله) توسعوا في معنى مصرفٍ مهمٍ من مصارف الزكاة وهو مصرف (في سبيل الله) فأدخلوا فيه ذوي الاحتياجات الخاصة من مقعدين ومشلولين ومجذومين وأصحاب أمراضٍ مزمنة. حيث ورد في رسالة الفقيه ابن شهاب الزهري (رحمه الله) لعمر بن عبد العزيز (رحمه الله) وهـو يوضح لـه مواضع السُّنة في الزكاة : " إنَّ فيها نصيباً للزَّمْنى والمقعدين، ونصيباً لكل مسكين به عاهة لا يستطيع عَيلة ولا تقليباً في الأرض"(64).
| |
|