انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع قصة ملك الموت الذي بكى متأثرا بحال امرأة،
وضحك متعجبا لحال شيخ طاعن في السن لما جاء ليقبض روح كل منهما.
وادعى ناشروها أنها وردت في بعض الآثار.
فما حقيقة هذه القصة؟ وما مدى صحة هذا الادعاء؟
هذا ما نتعرف عليه من خلال مقالنا الآتي:
نص الادعاء
ما قصة المرأة التي أبكت ملك الموت؟
ورد في بعض الآثار أنَّ الله عز وجل أرسل ملك الموت ليقبض روح امرأة من الناس
فلما أتاها ملك الموت ليقبض روحها وجدها وحيدة مع رضيعاً لها ترضعه وهما في صحراء قاحلة ليس حولهما أحد ،
عندها رأى ملك الموت مشهدها ومعها رضيعها وليس حولهما أحد وهو قد أتى لقبض روحها ، هنا لم يتمالك نفسه
فدمعت عيناه من ذلك المشهد رحمة بذلك الرضيع ، غير أنه مأمور للمضي لما أرسل له ، فقبض روح الأم ومضى ، كما
أمره ربه: (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون)
بعد هذا الموقف – لملك الموت – بسنوات طويلة أرسله الله ليقبض روح رجل من الناس
فلما أتى ملك الموت إلى الرجل المأمور بقبض روحه وجده شيخاً طاعناً في السن
متوكئاً على عصاه عند حداد ويطلب من الحداد أن يصنع له قاعدة من الحديد يضعها
في أسفل العصى حتى لا تاكله الأرض ويوصي الحداد بأن تكون قوية لتبقى عصاه سنين طويله .
عند ذلك لم يتمالك ملك الموت نفسه ضاحكاً ومتعجباً من شدة تمسك وحرص هذا وطول أمله بالعيش بعد هذا العمر المديد ،ولم يعلم بأنه لم يتبقى من عمره إلاَّ لحظات .
فأوحى الله إلى ملك الموت قائلاً: فبعزتي وجلالي إنَّ الذي أبكاك هو الذي أضحكك
سبحانك ربي ما أحكمك
سبحانك ربي ما أعدلك
سبحانك ربي ما أرحمك
نعم ذلك الرضيع الذي بكى ملك الموت عندما قبض روح أمه
هو ذلك الذي ضحك ملك الموت من شدة حرصه وطول أمله
النتيجة: قصة زائفة
هل وردت فعلا في الآثار الصحيحة قصة المرأة التي أبكت ملك الموت؟
راجع فريق منصة فتبينوا منشور الادّعاء وقام بالبحث العكسي عن نص القصة بالاستعانة بالكلمات المفتاحية (المرأة+أبكت+ملك الموت)
في الموسوعات الحديثية المختصة والمواقع الفقهية الموثوقة ومنها (موسوعة الأحاديث النبوية، الدرر السنية ، إسلام ويب ، طريق الإسلام )
فعثر على مجموعة من الفتاوي وخلاصات أحكام بحثية سابقة في الموضوع،
أجمعت مضامينها على عدم صحة القصة المتداولة، وأكدت أن لاوجود لها في كتب السنة النبوية جميعها.
نشر موقع إسلام ويب فتوى رسمية بتاريخ 27 فبراير 2012 تحت رقم 174423 حول موضوع قصة المرأة التي أبكت ملك الموت تحت عنوان “درجة قصة ضحك ملك الموت وبكائه وفزعه” وجاء فيها:
- اقتباس :
لا تصح هذه القصة، ولم نجد لها أصلا في كتب السنة
وفي السياق نفسه، أكد موقع الدرر السنية المتخصص في الأحاديث النبوية أن هذه القصة منكرة من وضع القصاص وصنفها في قسم “أحاديث منتشرة لا تصح“.
أما موقع “الإسلام سؤال وجواب” فنشر بدوره ردا مفصلا في موضوع “قصة المرأة التي أبكت ملك الموت” بتاريخ 18يوليو 2018،
أكد من خلاله أن الادعاء قول باطل من وجهين أبرزهما أن الله تعالى أرحم بهذه المرأة و بطفلها من ملك الموت، فكيف يقال إن ملك الموت لم يقبض روحها رحمة بها أو بصغيرها؟!
بدليل حديث عمر بن الخطاب قال: قُدِم رسول الله ﷺ بسبي، فإذا امرأة من السبي تسعى، إذ وجدت صبيا في السبي أخذته فألزقته ببطنها فأرضعته،
فقال رسول الله ﷺ: ( أترون هذه المرأة طارحةً ولدها في النار؟)، قلنا: لا والله،
فقال: ( الله أرحم بعباده من هذه بولدها) رواه البخاري (2754)، ومسلم (2754)
ما موقف علماء الفقه من نشر وتقاسم الأحاديث المشابهة لقصة المرأة التي أبكت ملك الموت؟
يدعو علماء الحديث والفقه الإسلامي (هنــا، وهنــا، وهنــا) إلى التثبت مما يُروى من القصص قبل روايته ونشره،
ويحذرون من الروايات والقصص والأخبار التي ليس لها أصل، ولا يعرف الإنسان مخارجها، ورواتها ودرجة صحتها،
ويدعون بالمقابل إلى الانشغال بما صح من الأخبار والحكايات دون ما لم يصح، فضلا عما لا أصل له، لأن فيها الكفاية والبركة.
كما يؤكدون على أن نقل الأحاديث لا بد فيه من التحرز والتحري،
مستدلين بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) متفق عليه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (من حدث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) رواه مسلم.
وفي السياق نفسه، نشر موقع إسلام ويب فتوى بتاريخ 24-09-2006 تحت رقم 77467،
أكد من خلالها عدم جواز نشر الأحاديث الموضوعة خاصة ما تعلق منها بالعقيدة،
ولا التحديث بها بأي وسيلة من الوسائل، مستدلا بقول النبي صلى الله عليه وسلم:(كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع) رواه مسلم.
تقييم فتبينوا: قصة الادعاء زائفة، إذ لا وجود لها في مصنفات وكتب الحديث بجميع درجاتها ولا أصل لها في السنة النبوية،
وسبق إنكارها بالإجماع من قبل سائر الهيئات المختصة في السنة النبوية والعلوم الحديثية التي وقفت عليها المنصة.