118095: كيف يتخلص من العجب ؟
السؤال : كيف يتخلص الإنسان من العجب بطريقة عملية ؟
فأحياناً عندما أفعل شيئاً - سواء طاعة ، أو فعل خير -
أشعر بشيء من العجب ، وذلك يضايقني كثيراً ، فكيف أتخلص من ذلك ؟
الجواب :
الحمد لله
نسأل الله أن يرزقنا جميعا الإخلاص في السر والعلن .
اعلم أخي السائل أن العجب آفة يعاني منها الكثير من الناس ،
وتكمن خطورتها في الانصراف عن الثناء على الله إلى الثناء على النفس ،
وهي تتعارض مع واقع الانكسار والتذلل المستحب في طاعة المولى عز وجل .
وقد قرر علماء السلوك والأخلاق أن سبب العجب في الحقيقة هو الجهل المحض
أو الغفلة أو الذهول ، فإذا صاحب ذلك إطراء الناس للشخص وكثرة ثنائهم عليه ،
مع ضعف مراقبة الله عز وجل وقلة الورع والخشية ، اجتمعت على المرء
هذه الآفة الشديدة فأهلكته إلا أن يتداركه الله برحمته .
قال ابن القيم رحمه الله :
" جهله بنفسه وصفاتها وآفاتها وعيوب عمله ، وجهله بربه وحقوقه
وما ينبغي أن يعامل به يتولد منهما رضاه بطاعته وإحسان ظنه بها ،
ويتولد من ذلك من العجب والكبر والآفات ما هو أكبر من الكبائر الظاهرة
من الزنا وشرب الخمر والفرار من الزحف ونحوها " انتهى .
"مدارج السالكين" (1/175) .
وللعلماء في بيان طرق التخلص من هذه الآفة كتابات عديدة ،
من أوسعها وأفضلها وأدقها ما كتبه العلامة ابن حزم الأندلسي رحمه الله ،
ونحن ننقله هنا بشيء من الاختصار الذي يحقق المقصود ولا يخل به إن شاء الله تعالى :
قال رحمه الله :
" من امتُحن بالعجب فليفكر في عيوبه ، فإن أُعجب بفضائله فليفتش
ما فيه من الأخلاق الدنيئة ، فإن خفيت عليه عيوبه جملة حتى يظن أنه
لا عيب فيه فليعلم أن مصيبته إلى الأبد ، وأنه لأتم الناس نقصاً ،
وأعظمهم عيوباً ، وأضعفهم تمييزاً .
وأول ذلك أنه ضعيف العقل ، جاهل ، ولا عيب أشد من هذين ؛
لأن العاقل هو من ميز عيوب نفسه فغالَبَها وسعى في قمعها ،
والأحمق هو الذي يجهل عيوب نفسه .
واعلم يقيناً :
أنه لا يسلم إنسي من نقص ، حاشا الأنبياء صلوات الله عليهم ،
فمن خفيت عليه عيوب نفسه فقد سقط ، وصار من السخف والضعة
والرذالة والخسة وضعف التمييز والعقل وقلة الفهم بحيث لا يتخلف عنه
متخلف من الأرذال ، وبحيث ليس تحته منزلة من الدناءة ،
فليتدارك نفسه بالبحث عن عيوبه ، والاشتغال بذلك عن الإعجاب بها ،
وعن عيوب غيره التي لا تضره في الدنيا ولا في الآخرة .
وما أدري لسماع عيوب الناس خصلة إلا الاتعاظ بما يسمع المرء منها ،
فيجتنبها ويسعى في إزالة ما فيه منها بحول الله تعالى وقوته .
وأما النطق بعيوب الناس فعيب كبير لا يسوغ أصلاً ، والواجب اجتنابه
إلا في نصيحة من يتوقع عليه الأذى بمداخلة المعيب ،
أو على سبيل تبكيت المعجَب فقط في وجهه ، لا خلف ظهره .
ثم تقول للمعجَب :
ارجع إلى نفسك ، فإذا ميزت عيوبها فقد داويت عجبك ،
ولا تُمَيِّل [ أي : توازن وتقارن ] بين نفسك وبين من هو أكثر عيوباً منها
فتستسهل الرذائل وتكونَ مقلِّداً لأهل الشر ،
وقد ذم تقليد أهل الخير ، فكيف تقليد أهل الشر !
لكن ميِّلْ بين نفسك وبين من هو أفضل منك ، فحينئذ يتلف عجبك ،
وتفيق من هذا الداء القبيح الذي يولد عليك الاستخفاف بالناس ،
وفيهم بلا شك من هو خير منك ، فإذا استخففت بهم بغير حق ، استخفوا بك بحق ؛
لأن الله تعالى يقول : ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ) .
فإن أعجبت بعقلك :
ففكر في كل فكرة سوء تحل بخاطرك ، وفي أضاليل الأماني الطائفة بك ،
فإنك تعلم نقص عقلك حينئذ .
وإن أعجبت بآرائك :
فتفكر في سقطاتك ، واحفظها ولا تنسها ، وفي كل رأي قَدَّرته صواباً
فخرج بخلاف تقديرك وأصاب غيرك ، وأخطأت أنت ،
فإنك إن فعلت ذلك فأقل أحوالك أن يوازن سقوط رأيك بصوابه ،
فتخرج لا لك ولا عليك ، والأغلب أن خطأك أكثر من صوابك ،
وهكذا كل أحد من الناس بعد النبيين صلوات الله عليهم .
وإن أعجبت بعملك :
فتفكر في معاصيك وفي تقصيرك وفي معاشك ووجوهه ،
فو الله لتجدن من ذلك ما يغلب على خيرك ، ويُعَفِّي على حسناتك ،
فليطل همك حينئذ ، وأبدل من العجب تنقصاً لنفسك .
وإن أعجبت بعلمك :
فاعلم أنه لا خصلة لك فيه ، وأنه موهبة من الله مجردة ، وهبك إياها ربك تعالى ،
فلا تقابلها بما يسخطه ، فلعله ينسيك ذلك بعلة يمتحنك بها ،
تولد عليك نسيان ما علمت وحفظت .
ولقد أخبرني عبد الملك بن طريف ، وهو من أهل العلم والذكاء
واعتدال الأحوال وصحة البحث ، أنه كان ذا حظ من الحفظ عظيم ،
لا يكاد يمر على سمعه شيء يحتاج إلى استعادته ،
وأنه ركب البحر فمر به فيه هول شديد أنساه أكثر ما كان يحفظ ،
وأخل بقوة حفظه إخلالاً شديداً ، لم يعاوده ذلك الذكاء بعد .
وأنا أصابتني علة فأفقت منها وقد ذهب ما كنت أحفظ إلا ما لا قدر له ،
فما عاودته إلا بعد أعوام .
واعلم أن كثيراً من أهل الحرص على العلم يجِدّون في القراءة
والإكباب على الدروس والطلب ثم لا يرزقون منه حظاً ، فليعلم ذو العلم
أنه لو كان بالإكباب وحده لكان غيره فوقه ، فصح أنه موهبة من الله تعالى ،
فأي مكان للعجب ها هنا !
ما هذا إلا موضع تواضع وشكر لله تعالى ، واستزادة من نعمه ، واستعاذة من سلبها .
ثم تفكر أيضاً في أن ما خفي عليك وجهلته ـ من أنواع العلم الذي تختص به ،
والذي أعجبت بنفاذك فيه ـ :
أكثر مما تعلم من ذلك ، فاجعل مكان العجب استنقاصاً لنفسك واستقصاراً لها ، فهو أولى .
وتفكر فيمن كان أعلم منك ، تجدهم كثيراً ، فلتهن نفسك عندك حينئذ .
وتفكر في إخلالك بعلمك ، وأنك لا تعمل بما علمت منه ، فعلمك عليك حجة حينئذ ،
ولقد كان أسلم لك لو لم تكن عالماً ، واعلم أن الجاهل حينئذ أعقل منك
وأحسن حالاً وأعذر ، فليسقط عجبك بالكلية .
ثم لعل علمك الذي تعجب بنفاذك فيه من العلوم المتأخرة التي لا كبير خصلة فيها ،
كالشعر وما جرى مجراه ، فانظر حينئذ إلى مَن عِلمُهُ أجل من علمك
في مراتب الدنيا والآخرة ، فتهون نفسك عليك .
وإن أعجبت بشجاعتك فتفكر فيمن هو أشجع منك ،
ثم انظر في تلك النجدة التي منحك الله تعالى فيم صرفتها ،
فإن كنت صرفتها في معصية فأنت أحمق ؛ لأنك بذلت نفسك فيما ليس ثمناً لها ،
وإن كنت صرفتها في طاعة ، فقد أفسدتها بعجبك ،
ثم تفكر في زوالها عنك بالشيخوخة
وأنك إن عشت فستصير من عدد العيال ، وكالصبي ضعفاً .
على أني ما رأيت العجب في طائفة أقل منه في أهل الشجاعة ،
فاستدللت بذلك على نزاهة أنفسهم ورفعتها وعلوها .
وإن أعجبت بجاهك في دنياك :
فتفكر في مخالفيك وأندادك ونظرائك ، ولعلهم أخساء وضعفاء سقاط ،
فاعلم أنهم أمثالك فيما أنت فيه ، ولعلهم ممن يُستحيا من التشبه بهم
لفرط رذالتهم وخساستهم في أنفسهم وأخلاقهم ومنابتهم ،
فاستهن بكل منزلة شاركك فيها من ذكرت لك ،
وإن كنت مالك الأرض كلها ، ولا مخالف عليك ؟!!
واعلم أن عجبك بالمال حمق ؛ لأنه أحجار لا تنتفع بها إلا أن تخرجها عن ملكك بنفقتها
في وجهها فقط ، والمال أيضاً غاد ورائح ، وربما زال عنك ، ورأيته بعينه في يد غيرك ،
ولعل ذلك يكون في يد عدوك ، فالعجب بمثل هذا سخف ، والثقة به غرور وضعف .
وإن أعجبت بحسنك
ففكر فيما يولد عليك مما نستحي نحن من إثباته ،
وتستحي أنت منه إذا ذهب عنك بدخولك في السن ، وفيما ذكرنا كفاية .
وإن أعجبت بمدح إخوانك لك :
ففكر في ذم أعدائك إياك ، فحينئذ ينجلي عنك العجب ؛ فإن لم يكن لك عدو :
فلا خير فيك ، ولا منزلة أسقط من منزلة من لا عدو له ،
فليست إلا منزلة من ليس لله تعالى عنده نعمة يحسد عليها ، عافانا الله .
فإن استحقرت عيوبك :
ففكر فيها لو ظهرتْ إلى الناس ، وتمثل إطلاعهم عليها ،
فحينئذ تخجل ، وتعرف قدر نقصك إن كانت لك مُسكة من تمييز .
وإن أعجبت بنسبك :
فهذه أسوأ من كل ما ذكرنا ؛ لأن هذا الذي أعجبت به لا فائدة له أصلاً في دنيا ولا آخرة ،
وانظر هل يدفع عنك جوعة ، أو يستر لك عورة ، أو ينفعك في آخرتك .
وإن أعجبت بقوة جسمك :
فتفكر في أن البغل والحمار والثور أقوى منك وأحمل للأثقال .
وإن أعجبت بخفتك :
فاعلم أن الكلب والأرنب يفوقانك في هذا الباب ، فمن العجب العجيب ،
إعجاب ناطق بخصلة يفوقه فيها غير الناطق .
واعلم أن رياضة الأنفس أصعب من رياضة الأسد ،
لأن الأسد إذا سجنت في البيوت التي تتخذ لها الملوك ، أمن شرها ،
والنفس وإن سجنت لم يؤمن شرها " انتهى باختصار .
"الأخلاق والسير وأثرها في مداواة النفوس" (ص/29-34) ،
وانظر: "بريقة محمودية" (2/237)
[size=24]وانظر جواب السؤال رقم : (12205)
{تم تفعيل رابط هذه الفتوى في الروابط ذات الصلة}
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب[/size]
فتاوى ذات صلة
كيف يتخلص من حسده لإخوانه