ورغم تضعيف قصة نعيمان وسويبط فقد أجاب عنها العلماء على فرض صحتها ، وبينوا أنها لا تدل على إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لترويع المسلمين بالمزاح ، ونحن ننقل ههنا كلامهم لمزيد الفائدة ، وإلا فضعف الحديث يغني عن الجواب عنه .
يقول أبو جعفر الطحاوي رحمه الله :
" إنما في الحديث ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من ذلك الفعل حولا ، كمثل ما قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتحدثون بأمور الجاهلية ، فيضحك أصحابه من ذلك بمحضره من غير نهي منه إياهم عن ذلك ، وإن كانت تلك الأفعال ليس بمباح لهم فعل مثلها في الإسلام
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنع من ترويع المسلم – فذكر حديث السائب " لا يحل لمسلم أن يروع مسلما " - فكان ذلك تحريما منه لمثل ذلك ، ونسخا لما كان قد تقدمه مما ذكرناه في هذا الباب مما تعلق به من تعلق ممن يذهب إلى إباحة مثله إن كان مباحا حينئذ " انتهى.
" شرح مشكل الآثار " (4/305-308)
ويقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله :
" من ائتمنه المالك ، كوديع ، يمتنع عليه أخذ ما تحت يده من غير علمه ؛ لأن فيه إرعابا له بظن ضياعها ، ومنه يؤخذ حرمة كل ما فيه إرعاب للغير ، ودليله أن زيد بن ثابت نام في حفر الخندق ، فأخذ بعض أصحابه سلاحه ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ترويع المسلم من يومئذ ، ذكره في " الإصابة ".
لكن يشكل عليه ما رواه أحمد أن أبا بكر خرج تاجرا ومعه بدريان : نعيمان ، وسويبط ، فقال له أطعمني ...- فذكر القصة - .
وقد يجمع بحمل النهي على ما فيه ترويع لا يُحتمل غالبا ، كما في القصة الأولى ، والإذن على خلافه كما في الثانية ؛ لأن نعيمان الفاعل لذلك معروف بأنه مضحاك مزاح ، كما في الحديث ، ومن هو كذلك الغالب : أن فعله لا ترويع فيه ، كذلك عند من يعلم بحاله ، فتأمل ذلك فإني لم أر من أشار لشيء منه مع كثرة المزاح بالترويع ، وقد ظهر أنه لا بد فيه من التفصيل الذي ذكرته .
ثم رأيت الزركشي قال في " تكميله " نقلا عن " القواعد ":
وقد جاء في الحديث : ( لا يأخذ أحدكم متاع صاحبه لاعبا جادا )