7. شؤم على الخلق كلهم: ليت العاصي يضر نفسه فحسب، لكن كل من حوله؛ الإنس والجن والحيوان والشجر والحجر، فذنبه متعدى الضرر وإن بدا في ظاهره أنه لم يؤذ غيره ولم يصب أحداً بسوء .
صحح أبو هريرة هذا الفهم الخاطئ حين سمع رجلا يقول: إن الظالم لا يظلم إلا نفسه. فقال أبو هريرة: "كذبت، والذي نفسي بيده إن الحبارى (نوع من الطير) لتموت فى وكرها من ظلم الظالم".
وليس أبو هريرة وحده من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من يؤكد هذا، فهذا أنس بن مالك يقول: "كاد الضب يموت في جحره هزلا من ظلم بني آدم". ولذلك وبسبب ذنب ابن آدم وإصراره على ذنبه وتعدي ضر ذنبه تتأذى الخلائق كلها فتستنصر عليه العظيم وتستعدي عليه الجليل، فتطلب من الله أن يحرمه من نعمته ويطرده من رحمته ويلعنه.
قال المجاهد في تفسير قول الله عز وجل: {ويلعنهم اللاعنون} "دواب الأرض والخنافس منعت القطر (المطر) بخطاياهم".
لطيفة: قال فقيه العراق ابن شبرمة: عجبت للناس يحتمون من الطعام مخافة الداء، ولا يحتمون من الذنوب مخافة النار.
عجباً لك !! تضيع منك حبة فتبكى، وتضيع منك الجنة فتضحك !! لو كنت بالمال الحرام أكسى من الكعبة، لم تخرج من الدنيا إلا أعرى من الحجر الأسود!! الدنيا حلم والموت يقظة، ويوم الحساب تفسير الأحلام. الدنيا بحر وساحلة المقبرة، وقد اقتربت مركب نفسك من الشاطئ. علمت كلبك أن يترك شهوته في تناول ما صاده شكراً لنعمتك وخوفاً من سطوتك، وكم علمك الله ورسوله، وأنت كما أنت!
إيقاظة نبوية: ولاشيء يوقظ العقل من سكرته، وينبهه من نومه مثل ذكر النار؛ لذا عمد النبي صلى الله عليه وسلم في حالات فساد العقل، وغياب الوعي إلى ذكر هذه الكلمة (النار). ففي حالة التخلف عن صلاة الجماعة يقول صلى الله عليه وسلم: «لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أُخالف إلى رجال فأُحرق عليهم بيوتهم» (صحيح كما في ص ج ص رقم (7072).
وفى حالة لبس الرجال الذهب يقول: «يعمد أحدكم إلى جمرةٍ من نار فيجعلها في يده» (صحيح كما في ص ج ص رقم:8109).
وفى حالة أكل أموال الناس بالباطل يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم تختصمون وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم أن يكون أعلم بحجته من بعض فأقضى له بما اسمع منه، فأظنه صادقاً، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنها قطعةٌ من النار فليأخذها أو ليدعها» (صحيح كما في ص ج ص رقم :2342).
كل هذا لأنه صلى الله عليه وسلم بنا رؤوف رحيم يلفح وجوهنا بكلام عن (النار) بدلاً أن تلفح وجوهنا غداً ألسنة النار. والعاقل من إذا وصلته رسالة الإنذار أورثته الاعتذار، فيرد على جواب التهديد بالرجوع إلى توبته بالتجديد.
أخي الغافل: يا من باع الجنة بأبخس الثمن، إذا لم تكن لك خبرة بقيمة السلعة فاسأل جموع الصالحين فهم الخبراء المثمنون، فيا عجباً من بضاعة وهبك الله إياها هي نفسك ومالك ثم منك اشتراها ووعدك المقابل جنة الخلد، والسفير الذي جرى على يده عقد البيع من النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف بالله عليك بعتها بعد ذلك لغير الله بثمن بخس وبجزءٍ يسير من دنيا لا تساوى عند الله جناح بعوضة؟!
8. موت القلب: قال ذلك زين القراء محمد بن واسع: "الذنب على الذنب يميت القلب". ولهذا لما قيل لسعيد بن المسيب: إن عبد الملك بن مروان قال: قد صرت لا أفرح بالحسنة أعملها، ولا أحزن على السيئة أرتكبها. الآن مات قلبه.
وليست هذه علامة موت القلب الوحيدة، بل إن هناك علامات أخرى منها: الفرح بالذنب والمجاهرة به. البشاشة للقاء أهل المعاصي. الانقباض لرؤية أهل الطاعة. الإصرار على الذنب دون التعجيل بالتوبة. عدم الحزن لفوات الطاعة. عدم إنكار المنكر باليد وباللسان أو بالقلب.
أخي العاصي.. مازلت أناديك وأقول: ونبه فؤادك من نومه فإن الموفق من ينتبه، وإن كنت لم أنتبه بالذي وعظت به فانتبه أنت به.
يسير الذنب يقتل!!! قال بن الجوزى : "لاتحتقر يسير الذنب، فإن العشب الضعيف يفتل منه الحبل القوى فيختنق به الجمل السمين".
9. هوان حق الله على العبد: لأن الذنب يجرئ العبد على حدود الله، فيألف قلبه العصيان وانتهاك محارم الله، خاصة إذا أمحت من ذكرياته مترادفات كلمة (توبة)، ولذلك لما نظر أنس بن مالك إلى جيل التابعين قال: "إنكم لتعملون أعمالا هي في أعينكم أدق من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات ". وإنما كانت كذلك، في -أعينهم- لأن إيمانهم جلا الغشاوة عن بصيرتهم فعلموا قدر الله وعظمته. فانطلق أحدهم ينصحك: لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت. بل كان حذيفة بن اليمان يقول: "إن الكلمة كان الرجل في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسب بها من المنافقين، أسمعها اليوم في المجلس الواحد أربع مرات".
منافق أنت أم مؤمن ؟! قال عبد الله بن مسعود: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنها من أصل جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال له هكذا فطار". هذا هو ميزان ابن مسعود الذي أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بإتباعه، وقال: «وما حدثكم ابن مسعود فاقبلوه» صحيح كما في ص ج ص رقم 1143.
ونحن نصدق ما أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصدقه ونسألك: كيف ترى ذنبك؟ هل تراه في أصل جبل يوشك أن يقع عليك؟ أم تراه كذبابة تهشها من على أنفك؟. واجه نفسك، إليك أوجه الخطاب، وأشير بإصبع العتاب.
أخي العاصي؛ أنت الذي بيدك أن تنجو أو تهلك، كلما عظم الذنب في قلبك صغر عند الله، وكلما هان عليك عظم عند الله، فعظم الله في قلبك يعظم عليك ذنبك لتثبت بذلك أنك مؤمن، وإلا كتبت اسمك بنفسك في سجل المنافقين.
10. الحرمان اليوم أهون منه غداً: أظنك يا أخي لم تسمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: «إن كنتم تحبون حلية الجنة وحريرها، فلا تلبسوها في الدنيا». (صحيح كما فى ص ج ص رقم 1438).
إخواني؛ من لبس الحرير في الدنيا حرم من لبسه في الآخرة، ومن شرب الخمر في الدنيا حرمها في الجنة، من أطلق بصره اليوم في بنات الطين حرم غداً النظر إلى الحور العين، ومن استمع إلى غناء حرم الاستماع إلى غناء الآخرة.
قال ابن عباس: "ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الإنسان كالنغمات والألحان، يا لذة الأسماع لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان".
واحدة بواحدة: قال سلمة بن دينار :"ما أحببت أن يكون معك في الآخرة فاتركه اليوم".