[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] سبب تسمية سورة المزمل بهذا الاسم ذكر أهل العلم والتفسير أكثر من سبب نزول لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}،[١] وهي الآية رقم 1 من سوة المزمّل، الأوّل وهو أنّ قريشًا قد اجتمعت في دار الندوة، فقال مشركو مكة: سمّوا هذا الرجل اسمًا يصدُّ الناس عنه، والمقصود بهذا الرجل الرسول محمد - عليه السلام- ويُريدون إطلاق وصف عليه يجعل الناس لا يؤمنون برسالته ويبتعدون عنه.[٢]
فقال بعضهم: كاهن، أي نُشيع بين الناس أنّه كاهن، فقال آخرون: ليس بكاهن، وقالوا: مجنون: فقال آخرون: هو ليس بمجنون، ثمّ قالوا ساحر ولاقى هذا الوصف اعتراضًا أيضًا، ثمّ تفرقّوا على هذا، ووصل نبأ اجتماعهم هذا إلى رسول الله، فتزّمّل في ثيابه وتدّثّر فيها، فأتاه جبريل -عليه السلام- وقال له: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}،[١]{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}،[٣] أي أنّ نزول سورتي المزمّل والمدّثر كان في وقتٍ واحد.[٢]
وقد ورد هذا الأثر في عدّة تفاسير ومنها تفسير ابن كثير الذي عقّب عليه بأنّه موجود في مسند البزّار، وقد ذكر البزّار أنّ في إسناده معلى بن عبد الرحمن، وقد حدّث عنه مجموعة من أهل العلم واحتملوا حديثه، ولكنّ له أحاديث لا يُتابع عليها، وفي هذا تضعيف لهذا الحديث الوارد في سبب نزول سورة المزمّل.[٢]
أمّا سبب النزول الثاني فقد ورد في الصحيحين، وهو أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- كان يحدّث عن بداية الوحي وأنّه كان مجاورًا في غار حراء، ومعنى مجاور أي منقطع للعبادة، فلمّا قضى جواره نزل من الغار فسمع مناديًا يُناديه، فنظر عن يمينه وشماله ولم يرى شيئًا، ثمّ رفع رأسه فرأى الملَك الذي رآه بغار حراء، وهو جبريل - عليه السلام- جالسًا بين السماء والأرض على كرسي، فرجع إلي أهله: وقال دثروني دثروني، وفي رواية أخرى: زملوني زملوني، فنزلت سورة المدّثر، وجمهور أهل العلم على أنّ سورة المزمّل قد نزلت علي أثرها.[٤]
أين نزلت سورة المزمل؟
لم يتفق أهل العلم من سلف الأمة على مكان نزول سورة المزمّل، فقال الماوردي أنّ السورة كلّها مكيّة وهذا القول مرويّ عن الحسن وعكرمة وعطاء وجابر، وقيل أنّ السورة جميعها مكيّة ما عدا الآيتين رقم 10 و 11 فمدنية، وقال الثعلبي: إنّ السورة صدرها مكيّ وجميعها كذلك ما عدا الآية الأخيرة منها فقد نزلت في المدينة، وهو قول منقول عن ابن عبّاس أيضًا، وروي عنه أيضًا وعن عبد الله بن الزبير أنّ السورة نزلت في مكة.[٥]
بعد أي السور نزلت سورة المزمل؟
اختلف أهل العلم في ترتيب نزول سورة المزمّل، حيث تضافرت الأدلّة الصحيحة علي أنّ سورة العلق هي الأولى في ترتيب النزول، وقيل أنّ سورة القلم نزلت بعدها، وقيل أنّ سورة المدّثر هي التي تلت سورة العلق، وقد رجّح ابن عاشور هذا الرأي، وقيل إنّ سورة المزمّل نزلت بعد سورة القلم فتكون الرابعة في ترتيب النزول، وقيل تزلت بعد سورة المدّثر، فتكون الثالثة.[٦]
ما سبب تسمية سورة المزمل بهذا الاسم؟
سُميّت سورة المزمّل بهذا الاسم لورود قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}،[١] في مطلعها.[٧]
-----------------
1^ أ ب ت سورة المزمل، آية:1
2^ أ ب ت ابن كثير، تفسير ابن كثير، صفحة 260. بتصرّف.
3↑ سورة المدثر، آية:1
4↑ محمد سيد طنطاوي، التفسير الوسيط لطنطاوي، صفحة 152. بتصرّف.
5↑ صديق حسن خان، فتح البيان في مقاصد القرآن، صفحة 375. بتصرّف.
6↑ ابن عاشور، التحرير والتنوير، صفحة 254. بتصرّف.
7↑ جعفر شرف الدين، كتاب الموسوعة القرآنية خصائص السور، صفحة 217. بتصرّف.
فضل سورة المزمل
سورة المزمل
تعدُّ سورة المزَّمل من السور االمكية، وهي من أوائل السور التي نزلت على النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة وهي ثالثُ سورةٍ من حيث النزول بعد سورتَيْ اقرأ والمدَّثر، وهي في الجزءٍ التاسعِ والعشرين وفي الحزب الثامنِ والخَمسين، رقمُها من حيث الترتيب في المصحفِ الشريف 73، عددُ آياتِها 20 آية، سمَّيت بالمزمِّل نسبةً للنداء الذي توجَّهت به السورة إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- من بابِ التلطُّف والمؤانسة، والمزَّمل هو المتغطِّي بثيابه، وسنبيِّنُ في هذا المقالِ فضل سورة المزمل وبعضَ ما تضمَّنته من عبر وأحكام.
مضامين سورة المزمل
بيَّنَت السورةُ في بدايتِها بعضَ الأوامرِ التي كلفَّها الله تعالى لنبيِّه، وأوضحَت أن الدعوةَ تحتاجُ إلى جهدٍ عظيم وبذلٍ وتضحياتٍ كبيرةٍ في سبيل الله من السهرِ والتعَّب وقيامِ الليل وقراءة القرآن الكريم وذِكرِ الله تعالى، قال تعالى: "يا أيُّهَا المزَّمِّلُ * قمِ اللَّيلَ إلَّا قلِيلًا * نصفَهُ أوِ انقُصْ منْهُ قلِيلًا * أوْ زدْ علَيْهِ ورَتِّلِ القُرآنَ ترْتِيلًا"[١]، وحثَّت على التوكُّل على الله تعالى والصبرِ على أذى المُشركين، قال تعالى: "واصبِرْ علَى ما يقُولُونَ واهجُرْهُمْ هجْرًا جمِيلًا" [٢]، ثم هدَّدت الكافرين المكذِّبينَ بعذابٍ شَديدٍ كما حلَّ بِقوم موسى -عليه السلام- الذين كذبوه فأغرقَهم الله في الدُّنيا ولهم في الآخرةِ عذابٌ أليم.
وخُتمَت السورةُ بتخفيفِ قيامِ الليل الذي كان مفروضًا على المؤمنينَ لمدَّةِ سنة كاملةٍ، وأمرَت المسلمين بإقامةِ الصلاةِ وإيتاءِ الزكاةِ والإنفاقِ في وجوه الخير جميعها، قال تعالى: "إنَّ ربَّكَ يعلَمُ أنَّكَ تقومُ أدنَى منْ ثلُثَيِ اللَّيلِ ونِصْفَهُ وثُلُثهُ وطائِفَةٌ منَ الَّذينَ معَكَ واللَّهُ يقدِّرُ اللَّيلَ والنَّهارَ علِمَ أنْ لنْ تحْصُوهُ فتَابَ علَيْكمْ فاقرَءُوا ما تيَسَّرَ منَ القُرآنِ علِمَ أنْ سيَكُونُ منْكُمْ مرضَى وآخرُونَ يضرِبُونَ في الأَرضِ يَبتغُونَ منْ فضْلِ اللَّهِ وآخرُونَ يقَاتِلُونَ في سبِيلِ اللَّهِ فَاقرءُوا ما تيَسَّرَ منْهُ وأَقِيمُوا الصَّلَاة وآتُوا الزَّكاةَ وأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرضًا حسَنًا ومَا تقَدِّمُوا لِأنْفُسِكُمْ منْ خيْرٍ تجِدُوهُ عنْدَ اللَّهِ هوَ خيْرًا وأَعْظَمَ أجْرًا واستَغْفِرُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ غفُورٌ رحِيمٌ" [٣][٤].
فضل سورة المزمل
لم ترِدْ في فضل سورة المزمل أحاديث خاصَّة بالسورة عن النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلم- وإنَّ كلَّ ما رودَ عبارةٌ عن أحاديث ضعيفةٍ وموضوعةٍ لا أصْلَ لها، ويكمُنُ فضل سورة المزمل كفضلِ بقيَّة سورِ القرآن الكريم، ففي قراءتِها كما في قراءةِ القرآن الكريمِ كلِّه للمسلمِ فيها أجرٌ كبير وفضل عظيم لا يعلمه إلا الله تعالى، كما ورد في الحديث الشريفِ المشهورِ الذي قالَ فيه رَسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "من قرَأ حَرفًا من كِتابِ اللهِ فلَه به حسَنةٌ، والحَسنةُ بعشْرِ أمثالِها، لا أقولُ "ألم" حرفٌ، ولكن ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ" [٥]، وفضلُها أيضًا في تطبيقِ ما جاءت به من أحكام سنَّها الله تعالى للمسلمين في كتابه العظيم، فلا فضلَ في قراءة القرآن دون عملٍ بما جاء به من أحكام وقواعد تكفلُ السلامةَ والنَّجاةَ والرَّاحةَ للإنسانِ في دُنياه وآخرتِه. [٦].[٧]
حكم قيام الليل في سورة المزمل
كان قيام الليل مفروضًا على المسلمينَ في بدايةِ الدعوةِ الإسلاميَّة؛ قال تعالى: "قمِ اللَّيلَ إلَّا قلِيلًا * نصفَهُ أوِ انقُصْ منْهُ قلِيلًا"،[٨]، ثم نزلَت بعد سنة كاملةٍ آخرُ آيةٍ في السورة خفَّفت عن المسلمين في قولِه تعالى: "فاقْرَءُوا ما تيسَّرَ منَ القُرآنِ علِمَ أنْ سيَكُونُ منكُمْ مرضَى وآخرُونَ يضرِبُونَ في الأَرضِ يبتَغُونَ منْ فضلِ اللَّه وآخرُونَ يقاتِلُونَ في سبِيلِ اللَّهِ فاقْرءُوا ما تيَسَّرَ منْهُ" [٣].
وفي الحديث عن سعد بن هشام قال: "يَا أم المؤمنين أنبِئيني عَن خلقِ رسول اللَّهِ -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم-؟ قالَت: أليسَ تقرَأُ القرآنَ؟، قلتُ: بلى، قالَت: فإنَّ خلُقَ نبيِّ اللَّهِ -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- القرآن، فَهمَمتُ أن أقومَ فبدا لي قيامُ رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- فقلتُ: يا أمَّ المؤمنينَ أنبئيني عن قيامِ نبيِّ اللَّه -صلَّى اللَّه عليهِ وسلَّم- قالَت: أليسَ تقرأُ هذِهِ السُّورةَ "يَا أيُّهَا الْمزَّمِّلُ"، قلتُ: بلى، قالَت: فإنَّ اللَّهَ -عزَّ وجلَّ- افترضَ قِيامَ اللَّيلِ في أوَّل هذهِ السُّورةِ فقامَ نبيُّ اللَّهِ وأصحابُهُ حولًا حتَّى انتفخَت أقدامُهم، وأمسَكَ اللَّهُ -عزَّ وجلَّ- خاتِمتَها إثنَى عَشرَ شَهرًا، ثُمَّ أنزلَ اللَّهُ -عزَّ وجلَّ- التَّخفيفَ في آخرِ هذِهِ السورةِ فَصارَ قِيامُ اللَّيلِ تطوعًا بَعدَ أنْ كَانَ فَريضةً"،[٩]، والخلاصةُ: أنَّ قيام الليل صار تطوُّعًا بنزولِ آخر آيةٍ من سورة المزملِ وذلك تخفيفًا من الله تعالى على عبادِه المؤمِنِينَ.[١٠]
-------------------
1↑ {المزمل: الآيات 1، 2، 3، 4}
2↑ {المزمل: الأية 10}
3^ أ ب {المزمل: الآية 20}
5↑ الراوي: عبدالله بن مسعود، المحدث: المنذري، المصدر: الترغيب والترهيب، الصفحة أو الرقم: 2/296،
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما
8↑ {المزمل: الآية 2، 3}
9↑ الراوي: سعد بن هشام، المحدث: الألباني، المصدر: صحيح النسائي، الصفحة أو الرقم: 1600،
خلاصة حكم المحدث: صحيح