معلومات عن اهم خصائص شعر البحتري منذ بداية ظهور الشعر العربي وهو في تطوُّرٍ مستمر، بدايةً من العصر الجاهلي مرورًا بعصر صدر الإسلام ثم العصر الأموي وصولًا إلى العصر العباسي، حيثُ بلغَ في هذا العصر مستوىً رفيع جدًّا لم يبلغه في العصور التي سبقته، وكان ذلك بسبب استقرار العالم الإسلامي وتحسُّن الأحوال المعيشية للناس، وكان لدعم الأمراء والخلفاء العباسيين دور كبير في ذلك أيضًا، فتطورت علوم الشعر بجهود الخليل بن أحمد الفراهيدي ونشوء علم العروض، وظهر في هذا العصر أهم الشعراء العرب على الإطلاق مثل: البوصيري، ابن برد، أبو نواس، المتنبي، أبو تمام، أبو العلاء المعري، والبحتري الذي سيدور حوله الحديث في هذا المقال.[١]
من هو البحتري
اشهر الشعراء العرب في العصر العباسي، والبحتري كلمة في اللغة العربية تعني قصير القامة، ولدَ في مدينة منبج قرب مدينة حلب في عام 821م، هو الوليد بن عبيد بن يحيى التنوخي الطائي، بدت عليه ملامح النبوغ في الشعر منذ صغره فحفظَ أشعارًا كثيرةً وصار يردِّدها، سافر إلى مدينة حمص وعرض أشعاره على الشاعر أبي تمام فأثنى عليه وتوسَّم فيه النبوغ والنجاية، وبقي ينصحه ويوجهه لفترة طويلة، رحلَ بعد ذلك إلى بغداد عاصمة الخلافة العباسية في زمن الخليفة الواثق، وصار هناك شاعر في بلاط الخلفاء العباسيين وهم: المتوكل، المنتصر، المستعين، المعتز بن المتوكل، وكان على صلة مع عدد من الوزراء والأمراء في الدولة العباسية، إضافة إلى صلته مع مجموعة كبيرة من الولاة وقادة الجيش ورؤساء الكتَّاب وغيرهم، بقيَ البحتري رغم تنقله مرتبطًا بمنبج وعلى صلة وثيقة فيها، وظلَّ يزورها باستمرار إلى أن توفّي فيها في عام 898م.[٢]
خصائص شعر البحتري
احتلَّ البحتري مكانةً رفيعة المستوى بين الشعراء العرب، فقد كان مطَّلعًا على اللغة العربية وواسع الثقافة، وشهدَ له ديوانه الكبير وحماسته بذلك، وكان ضليعًا في قواعد اللغة العربية والنحو والعروض، مما جعل أشعاره سليمةً من العيوب التي قد تقع في العروض أو القافية، وكانت توصف قصائده بأنها سلاسل الذهب، فهو أحد أشعر ثلاثة في عصره مع المتنبي وأبي تمام، وعندما سُئلَ أبو العلاء المعري عن أيُّهم أشعر؟، قال: المتنبي وأبو تمام حكيمان إنّما الشاعر البحتري، وفيما يأتي سيتمُّ ذكر أهم الخصائص التي تميَّز بها شعره وأسلوبه في الكتابة:[٣]
- لم يتأثر شعره بما وردَ من صبغات خارجية مع الحضارة الجديدة في ذلك الوقت.
- أكثر في شعره من تقليد معاني القدماء في اللفظ، لكن مع تجديد في الدلالات والمعاني.
- التزمَ بنمط القصيدة الأصيلة دون أن ينحرف عنها.
- جمال الألفاظ الذي كان الشاعر يتقنُ اختيارها.
- قوة السبك ومتانته.
- حسن انتقاء البحور والقوافي في مختلف قصائده.
- عمق الخيال والإكثار من الصور البديعة.
- الإيجاز والابتعاد عن الشرح والتطويل.
- المبالغة في تحريك الموصوف في أشعار الوصف حتى يبعث الحياة فيها.
الوصف عند البحتري
في شعر البحتري لمسة فنيَّة جعلت منه واحدًا من أشهر وأهم الشعراء العرب، وقد تنوَّعت المواضيع التي طرقها في أشعاره وكان أكثرها المديح الذي طغى على ديوانه، بالإضافة إلى الهجاء والرثاء بنسبة قليلة، وله أشعار في العتاب والاعتذار والفخر والغزل والحكمة والوصف، وهو أشهر ما تميَّز به، فقد كان يرسم بكلماته صورًا عذبةً متحركة، وصفَ القصور والأبنية العمرانية ومن أشهر قصائد الوصف عنده هي القصيدة التي يصف بها إيوان كسرى والربيع، ووصفَ الطبيعةَ بشتى مباهجها، ورغم أنَّه لم يبتكر إلا القليل، بل كانت قصائده في ذلك تقليدية، إلا أنه تمكّن من رفع ذلك الوصف إلى درجة عالية من الأصالة والتفوق، واستطاع أن يبتكر طريقة جديدة في الوصف تقوم على اختيار تفاصيل محسوسة طريفة من أجل تشكيل لوحة فنية متناسقة، تذهل القارئ بانسجامها، فكان يبثُّ الحياة والحركة في قصائده الوصفية مضيفًا لها موسيقاه الشعرية الرائعة.[٤]
قصائد البحتري
للبحتري الكثير من القصائد الشهيرة، منها السينية التي وصف بها إيوان كسرى، وقد عاش ذلك الشاعر الكبير ما يقارب 77 سنة تاركًا خلفه ديوانًا عظيمًا من الأشعار الخالدة، التي كان معظمها في المدح والوصف، وفيما يأتي سيتمُّ إدراج بعض المقاطع الشعرية من قصائده:
شَوْقٌ إلَيكِ تَفيضُ منهُ الأدمُعُ
وَجَوًى عَلَيكِ تَضِيقُ منهُ الأضلعُ
وَهَوًى تُجَدّدُهُ اللّيَالي كُلّمَا
قَدُمتْ، وتُرْجعُهُ السّنُونَ فيرْجعُ
إنّي وما قَصَدَ الحَجيجُ وَدونَهم
خَرْقٌ تَخُبُّ بها الرّكابُ، وتُوضِعُ
أُصْفيكِ أقصَى الوُدّ، غَيرَ مُقَلِّلٍ
إنْ كانَ أقصَى الوُدّ عندَكِ يَنفَعُ
وأرَاكِ أحْسَنَ مَنْ أرَاهُ، وإنْ بَدا
مِنكِ الصّدُودُ، وبَانَ وَصْلُكِ أجمعُ
صُنْتُ نَفْسِي عَمّا يُدَنّس نفسي
وَتَرَفّعتُ عن جَدا كلّ جِبْسِ
وَتَماسَكْتُ حَينُ زَعزَعني الدّهْــرُ
التماساً منهُ لتَعسِي، وَنُكسي
بُلَغٌ منْ صُبابَةِ العَيشِ عندِي
طَفّفَتْها الأيّامُ تَطفيفَ بَخْسِ
وَبَعيدٌ مَا بَينَ وَارِدِ رِفْهٍ
عَلَلٍ شُرْبُهُ، وَوَارِدِ خِمْسِ
وَكَأنّ الزّمَانَ أصْبَحَ مَحْمُولًا
هَوَاهُ معَ الأخَسّ الأخَسّ
أقصِرْ، فإنَّ الدّهرَ ليسَ بمُقْصِرِ
حتّى يَلِفّ مُقَدَّمًا بِمُؤخَّرِ
أوْدَى بِلُقْمانَ بنِ عَادٍ، بَعدَما
أوْدَتْ شَبيبتَهُ بسَبْعَةِ أنْسُرِ
وَتَنَاوَلَ الضّحّاكَ مِنْ خَلْفِ القَنَا
وَالمَشْرَفيّةِ، وَالعَديدِ الأكثَرِ
وَجَذيمَةُ الوَضّاحُ عَطّلَ تَاجَهُ
مِنْهُ، وَأتْبَعَ تُبّعاً بالمُنْذِرِ
يَشكو إِلَيكِ هَواكِ المُدنَفُ الوَصِبُ
بِواكِفٍ يَنهَمي طَورًا وَيَنسَكِبُ
إِذا يُقالُ اِتَّئِب رَدَّت صَبابَتُهُ
إِلَيهِ ثابِتَ وَجدٍ لَيسَ يَتَّئِبُ
وَما اِجتَنَبتُكِ إِلَّا لِلوُشاةِ وَكَم
مِن مُغرَمٍ كَلِفٍ بِالوَجدِ يَجتَنِبُ
وَلَو وَجَدتُ سُلُوًّا ما تَخَوَّنَني
لَمّا تَبَسَّمتِ ذاكَ الظَلمُ وَالشَنَبُ
وَلا اِستَخَفَّ غَرامي يَومَ وَقفَتِنا
عَلى الوَداعِ بَنانٌ مِنكِ مُختَضَبُ
قَد كانَ طَيفُكَ مَرَّةً يُغرى بي
يَعتادُ رَكبي طارِقًا وَرِكابي
فَالآنَ ما يَزدارُ غَيرَ مَغَبَّةٍ
وَمِنَ الصُدودِ زِيارَةُ الإِغبابِ
جِئنا نُحَيّي مِن أُثَيلَةَ مَنزِلًا
جُدُدًا مَعالِمُهُ بِذي الأَنصابِ
أَدّى إِلَيَّ العَهدَ مِن عِرفانِهِ
حَتّى لَكادَ يَرُدُّ رَجعَ جَوابي
سَدِكَ النِساءُ بِنا مَلامَةَ عانِسٍ
نُلحى عَلى غَزَلٍ وَصَدِّ كَعابِ
مازالَ صَرفُ الدَهرِ يوكِسُ صَفقَتي
حَتّى رَهَنتُ عَلى المَشيبِ شَبابي
الشاعر البحتري
البحتري هو أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى التنوخي الطائي، واحد من أشهر شعراء العصر العباسي، ولد البحتري في مدينة حلب في منبج تحديدًا عام 205 للهجرة، ونشأ البحتري بين قومه في حلب، فكان فصحيًا استمدَّ فصاحتَهُ من قومِهِ الطَّائيين، وقد تتلمذُ البحتري على يد الشاعر الشهير أبي تمام حبيب بن أوس الطائي، وقد عاش البحتري متنقلًا بين البلاد، انتقل إلى بغداد وكان قريبًا من الخليفة العباسي المتوكل، فكان شاعر القصر يقرأ الشعر فتنهال عليه الأعطيات والأموال، وبعد مقتل المتوكل عاد الشاعر البحتري إلى منبج في حلب ليعيشَ أواخر أيام حياته فيها، حيث وافتهُ المنية عام 284 للهجرة ودُفن في مدينة الباب، وهذا المقال سيتحدَّث عن خصائص شعر البحتري.
[١]خصائص شعر البحتري
في الحديث عن خصائص شعر البحتري، إنَّ البحتري كان بدويًا في شعره، لم يتأثر بشكل كبير بصبغةِ الحضارة العربية الجديدة، فكان كثيرًا ما يُقلِّد المعاني الشعرية القديمة مجدِّدًا في الدلالات والأغراض، وكان البحتري ملتزمًا بشعر العمود وبشكل القصيدة العربية القديمة، وكان يُحسن اختيار ألفاظه ويترك لخياله حرية التحليق والإبداع، أمَّا غزل البحتري فقد كان في غزله لطيفًا رائعَ المعاني كثيف العاطفة، كتب قصائده برقَّة العشاق لمعشوقته المغنية الحلبية "علوة"، ومن أجمل ما قال في الغزل:
[٢]سَلامُ اللهِ كُلَّ صَبَاحِ يَوْمٍ عليكَ، وَمَنْ يُبَلِّغ لي سَلامي؟لقد غادَرْتَ فِي جسدي سَقَامًا بِمَا في مُقْلَتَيْكَ مِن السَّقامِوذكَّرَنِيكَ حُسْنُ الوَرْدِ لَمّا أَتَي وَ لَذيذُ مَشروبِ المُدامِويمكن القول في خصائص شعر البحتري أيضًا إنَّ البحتري كان قد طرق أكثر من غرض شعري واحد، فكتب في الرثاء وكتب في المدح وكتب في الوصف وغيره، وكان رثاؤه فخمًا عظيمًا تطغى عليه العاطفة، وعُرف للبحتري أيضًا شعر في الوصف وخاصة وصف الطبيعة، وقد وصف البحتري فصل الربيع في إحدى قصائده ولم يكن في وصفه للطبيعة تقليديًا بل استطاع أن يقوم بترقية الأسلوب العربي التقليدي في وصف الطبيعة، فاختار وصف التفاصيل المحسوسة بموسيقى شعرية عالية، حيث يقول:
[٢]أتاكَ الرَّبيع الطَّلقُ يختالُ ضاحكًا من الحسن حتَّى كاد أنْ يتكلَّماوقد نبَّهَ النيروزَ في غسقِ الدُّجى أوائلَ وردٍ كُنَّ بالأمسِ نُوَّمَانماذج من شعر البحتري
بعد ما جاء من حديث عن خصائص شعر البحتري، لا بدَّ من تسليط الضوء على أبرز ما كتب هذا الشاعر العباسي الكبير، فشخصية الشاعر تظهر بين أبيات شعره، مبادئه وانتماءاته ومعتقداته أيضًا لا تظهر إلَّا من خلال شعره، وفيما يأتي أبرز ما جاء من شعر البحتري:
أنَزَاعًا في الحُبّ بَعدَ نُزُوعِ
وَذَهَابًا في الغَيّ بَعْدَ رُجُوعِ
قَد أرَتْكَ الدّموعُ، يوْمَ تَوَلّتْ
ظُعُنُ الحَيّ، مَا وَرَاءَ الدّمُوعِ
عَبَرَاتٌ مِلْءُ الجُفُونِ، مَرَتها
حُرَقٌ في الفُؤادِِ مِلْءُ الضّلُوعِ
إنْ تَبِتْ وَادِعَ الضّمِيرِ فعِندي
نَصَبُ مِنْ عَشِيّةِ التّوْديعِ
فُرْقَةٌ، لمْ تَدَعْ لعَيْنَيْ مُحِبٍّ
مَنظَرًا بالعَقيقِ، غيرَ الرّبُوعِ
قد لَعَمرِي، يا ابنَ المُغيرَةِ، أصْبَحـ
ـتَ مُغيرًا على القَوَافي جَميعَا
شَرَفًا، يا أخَا جَديلَةَ، أبْيَا
تُكَ رَدّتْ قَيظَ العِرَاقِ رَبِيعا
مَا لعَيْنَيْكَ تَغْزِلانِ، إذا مَا
رَأتَا في الرّؤوسِ رَأسًا صَلِيعا
إنّ حُبّ الصُّلعانِ يُبدي، من المَرْ
ءِ، لأهلِ التّكشيفِ أمرًا فَظيعَا
بَينَ الشّقِيقَةِ، فاللّوى، فالأجْرَعِ
دِمَنٌ حُبِسْنَ على الرّياحِ الأرْبَعِ
فَكَأنّمَا ضَمِنَتْ مَعَالِمُهَا الّذي
ضَمِنَتْهُ أحْشَاءُ المُحِبّ الموجَعِ
لَوْ أنّ أنْوَاءَ السّحابِ تُطِيعُني
لَشَفى الرّبيعُ غَليلَ تِلْكَ الأرْبُعِ
مَا أحْسَنَ الأيّامَ، ِإِلاَّ أنّهَا
يا صاحِبيّ، إذا مَضَتْ لمْ تَرْجِعِ
أغَداً يَشِتُّ المَجدُ وَهْوَ جَميعُ
وَتُرَدُّ دارُ الحَمدِ وَهْيَ بَقيعُ
بمَسيرِ إبْرَاهيمَ يَحْمِلُ جُودُهُ
جُودَ الفُرَاتِ، فَرَائعٌ وَمَروعُ
مُتَوَجِّهًا تُحْدَى بهِ بَصْرِيّةٌ
خُشْنُ الأزِمّةِ، ما لَهُنّ نُسُوعُ
هُوجٌ، إذا اتّصَلتْ بأسبابِ السُّرَى
قَطَعَ التّنائِفَ سَيرُها المَرْفُوعُ