موضوع: أين كان أبوه حين صلبوه؟ الخميس ديسمبر 31, 2020 6:49 am
أين كان أبوه حين صلبوه؟
حاول جاهدًا أن يُقنعني أننا أبناء الله، وأن عيسى ولدُ الله، وروى لي اعتقادَه بأن عيسى قُتل مِن أجلنا، وأنه حمل عنا أوزارنا، فقلتُ له: إذًا دعني أضربْك وأسرقك، وسأدخل الجنة معك؛ فالمسيح مات من أجلي، وحمل عني وزري، غضب وقال: لا، يجب أن تؤمنَ به؛ ليخلِّصَك من خطاياك.
ضحِكتُ وقلت:
حسنًا، ما أسهلَ ذلك الأمرَ! فلقد رأيت فيلم المسيح، وأشفقت على الممثِّل الذي أدى دَور المصلوب، الآن دعني أحيَ حياة بلا قيود، فسأفعل كل ما أشتهيه ما دمتُ قد ضمنتُ الجنة؛ لأن عيسى تعذَّب ليحمِل عني إثمي.
لا يُهمني أمرُ الدنيا ومن فيها، أنا ضمِنتُ الجنة، الآن يمكنني العبثُ كيفما شئتُ، سأسرق، وأقتل، وأكذب، وأشرب الخمر، وسأرافقُ أيَّ امرأة تعجبني، والمسيح يحمل عني خطاياي، أليس هذا في إنجيلكم: "الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة، لكي نموتَ عن الخطايا فنحيا للبر، الذي بجلدته شفيتم"؛ العهد الجديد، (بطرس الأولي، 24:2).
بعض العقائد نجد فيها غرابة، ولا يكاد يصدِّقها عقل، وحين كنتُ أفكر لماذا يعرف الناس الحقيقة ثم ينكرونها كنتُ أتوه، ولا أصل إلى إجابة، حتى وجدتُ الأمر مرتبطًا بالهوى والمطامع، فما دامت العقيدة تحقِّق لي الأطماع، فلا بأس من اتباعها، أما إذا كانت تتعارض مع المطامع فلا بد من الكفرِ بها وتكذيبها، هذا مبدأ الضلالِ واتباع الهوى.
ولَمَّا تأملتُ سبب اقتناع المسيحيين بأن عيسى - عليه السلام - مات مصلوبًا وجدتُ أن السبب يتلخص في تعريف قساوستهم لعقيدة الخلاص؛ "هو التحرير الرُّوحي والأبدي الذي يمنحه اللهُ للذين يقبلون شروط التوبة، ويعلنون إيمانَهم بالربِّ يسوع المسيح"، وهي فلسفة غريبة بأن يُعذب اللهُ ابنَه - على حسب عقيدتهم - ليكون الضحية، فيحمل آثامَ الناس، وبهذه الطريقة قد تخلصوا من غضبِ الله وعذابه، بشرط أن يؤمنوا بأن المخلِّص هو المسيحُ.
ويبقى السؤال: هل الإلهُ القادر أن يعذِّب وأن يعفو مضطرٌّ أن يقدم ضحيةً ليحملَ الآثام والخطايا عن الناس؟ أليست بيده الجنة والنار؟ وإن كان ولابد أن يُعذب أحدًا فلماذا يكون ولدَه؟ وإن كان الناس جبابرةً والابن ضعيفًا فأين كان أبوه؟
يقول الشاعر:
عجبًا للمسيح بين النصارى وإلى أيِّ والدٍ نسبُوه أسْلَموه إلى اليهود، وقالوا: إنهم بعد قتلِه صلبُوه فإذا كان ما يقولون حقًّا وصحيحًا، فأين كان أبوه؟ حين خلَّى ابنه رهينَ الأعادي أتراهم: أرْضَوْه أم أغضبوه؟ فلئن كان راضيًا بأذاهم فاحمدوهم؛ لأنهم قتلوه ولئن كان ساخطًا فاتركوه واعبدوهم؛ لأنهم غلبوه
لا نلومهم على عقيدتهم بقدر ما نلومُهم على تجاهل العقل، فلو كان الإنسان مجبرًا على اتباع دين معين لخَلَق اللهُ الناسَ على دين واحد؛ ? وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ? [هود: 118، 119]، ولكن الله - سبحانه وتعالى - وهَبنا عقلاً؛ لنميز به الخبيثَ من الطيب، ولنتأمل ولنتدبر ولنختلف، حتى نصل إلى الحقيقة، أما من يتجاهل عقله في تدبر خَلْقه وخالقه، وبدايته ونهايته؛ فهو كالحجر، حيثما أرادوه وضعوه، إن أرادوه قصرًا كان قصرًا، وإن أرادوه قبرًا كان قبرًا.
ما أثار فضولي لهذه القضية هو ظهورُ إعلامي إسرائيلي، وهو يحمل بعض المسامير البالية، ويزعم أنها تلك التي صُلب بها المسيح، ويدعو السياح لزيارة تل أبيب لرؤيتها، يُزيفون الحقائق من أجل مصالح مادية، ولأهداف اقتصادية، وما أدهشني هو اصطناع الكذبة، وجعلها عقيدة يؤمن الناسُ بها؛ فلقد زعم اليهود أنهم صَلَبوا المسيح وقتلوه، ولينجوا من خطيئتهم أضلُّوا النصارى، بزعمهم أن الله أراد للمسيح الموتَ على الصليب ليحملَ عنا الخطايا؛ فاتبع النصارى ضلالَ اليهود؛ ولذلك وصَفهم القرآن بالمغضوب عليهم، ووصف النصارى بالضالين؛ فاللهم ? اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ?[الفاتحة: 6، 7].