افضل وسائل تعزية اهل المتوفي وما يقال عندها لا شك بأن الموت هو الحقيقة الثابتة في هذا الكون، إذ لا يستطيع أحد الهروب منه مهما فعل، يؤمن به جميع الناس من مختلف الديانات الإسلامية والمسيحية واليهودية وحتى البوذية، ولكل إنسان موعد محدد من رب العالمين تُقبض فيه روحه، فيرحل من الحياة الدنيا إلى حياةٍ جديدة فيها يحاسب على أعماله ويجازى بالثواب أو العقاب حسب أعماله في دنياه.
ويشترك جميع المسلمين في عادة تعزية أهل الميت بعد فقدانه مباشرةً، وذلك خلال أيام الحداد التي تعارف عليها الناس بأنها ثلاثة أيام، وتأتي التعزية اقتداءً بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي حث على تعزية أهل الميت ومواساتهم على فقدان قريبهم، والترحم عليه وقراءة القرآن والاستغفار لروحه، وذلك من خلال الذهاب لبيت أهل الميت أو إلى "الصّوان" المخصص للتعازي لتقديم العزاء، وحث أهل الميت على الصبر واحتساب الأجر عند الله.
حكم التعزية في الإسلام
التعزية في الإسلام -كما حددها الفقهاء- مستحبة استحباباً شديداً، أو يمكن القول بأنها سنة مؤكدة، ومنهم من قال إنها واجبة إذا ترتب عليه دفع قطيعة رحم، وهي من مكارم الأخلاق ومحاسن الإسلام، فهي تدعو للتكافل الاجتماعي، وتعاون الناس في المصائب كما أمر الإسلام المسلمين.
كيفية تقديم التعازي
- استخدام عباراتٍ تشمل الدعاء للميت بالمغفرة والدعاء للحي بالصبر وأفضلها :" لله ما أخذ، ولله ما أعطى، وكلٌ عنده بأجلٍ مسمى"، كذلك قول" عظم الله لكم الأجر " وغيرها، ولا بد من الإشارة إلى أن الشريعة الإسلامية لم تحدد صيغة ثابتة لطريقة التعزية.
- مواساة أهل الفقيد وتسليتهم بإعداد الطعام للحاضرين بالعزاء، ومعاونتهم على قضاء حوائجهم، كغسل ملابسهم أو إعداد القهوة السادة لهم، أو مساعدتهم على تنظيف المنزل أو الصيوان خلال الأيام الثلاث من الحداد.
- رعاية أطفال الميت، وضمّهم إلى أطفال المعزي، لتخفيف الألم عن أهلهم، لأن الاطفال الصغار يجهلون حقيقة الموت، ولا يدركون بعد معنى الفقد.
فضل تعزية أهل الميت
حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على التعزية وأمر بتأديتها لأهل الميت ومواساتهم، لما لها من ثوابٍ وفضلٍ عظيم عند الله؛ وفي ذلك ما رواه ابن ماجة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال:" ما من مؤمنٍ يعزي أخاه بمصيبة، إلا كساه الله سبحانه من حلل الكرامة يوم القيامة"، وهناك رواية أخرى لأنس ابن مالك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : " من عزى أخاه المؤمن في مصيبة كساه الله حلةً خضراء يجبر بها، قيل: ما يجبر بها؟ قال: يغبط بها".
العزاء
إنّ تعزية ومواساة المسلم في مُصابه وبلائه مستحبة، وهذا لقول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: (من عزى مصاباً؛ فله مثل أجره) رواه ابن ماجه والترمذي، وقال عنه الترمذي (غريب)، وقوله أيضاً: (من عزّى أخاه بمصيبة كساه الله من حُلل الكرامة يوم القيامة) رواه ابن ماجه.
وقت التعزية
اختلف أهل العلم بوقت التعزية، فذهب البعض إلى أنّها تكون قبل دفن الميت، وقال أبو حنيفة والثوري في هذا: قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (فإذا وجب فلا تبكين باكية) أخرجه مالك وأحمد والشافعي وأبو داود.
قيل في المراد بوجوب التعزية قبل الدفن هنا: إنّه وضع الميت في القبر وهذا حسب رواية أحمد بن حنبل، وهذا لأنّ وقت الصدمة الأولى هو الأهم، فوجب أن تأتي التعزية لمؤازرة أهل الميت عندها، فهو الوقت الذي يجب به أن يصبروا على مصابهم لينالوا الأجر.
في سنن أبي داود وابن حبان والنسائي قالوا: (وما الوجوب يا رسول الله؟ قال: "الموت"). ويقصد بالبكاء المنهي عنه، وهو البُكاء المترافق مع رفع الصّوت، وهو بالنواح، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكُنَّ ونعيق الشيطان" ناهياً المسلمين عن النياح واللطم، ثم قال في ذلك أيضاً: " إنه مهما كان من العين والقلب فمن الله عز وجل، ومن اليد واللسان فمن الشيطان"، وعن أنس أنّه شهد وفاة بنتٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه صلى الله عليه وسلم جالساً على القبر وعيناه تدمعان، وهذا مذكورٌ في صحيح البخاري.
أفضل ما يقال في التعزية
ليس في الدين الإسلامي ما يفرض قوله في التعزية، لكن الأفضل في التعزية أن يُعزى أهل المُصاب كما عَزَّى النبي صلى الله عليه وسلم ابنته بقوله إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى كما جاء في صحيح البخاري ومسلم، وكما جاء في كتاب الجوهرة النيرة أنّ أفضل العزاء بلفظ التعزية أن عَظَّم الله أجركم، وأحسن عزاءكم، وغفر لميتكم، وألهمكم الصبر وأجزل لنا ولكم بالصبر أجراً، وأحسن من ذلك.
فتوى الدكتور نوح علي سلمان رحمه الله
يقول د. نوح بالبداية أنّ التعزية باللغة تأتي من العزاء وتعني الصبر؛ وبذلك يكون معنى العزاء الإرشاد إلى طريق الصبر بذكر كل ما يعين عليه ويسلّي أهل المصاب عن مصيبتهم في حال فقد العزيز، ويقال للمسلم في هذه الحال: (أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك).
أنّ الطريقة الشرعية للتعزية بالمسلم الميت هي عندما يلقى الإنسان الذي فقد قريبه أو عزيزاً عليه فيقول له الكلمات السابقة، ومدة التعزيّة هي ثلاثة أيام فقط، وعدّ الفقهاء أنّ من البدع الجلوس لأهل المصاب عند التعزية؛ فتتم التعزية بأن يجتمع أهل المصاب أو الميت في مكان معروف ليأتيهم الناس ويعزونهم؛ فهذا مُحدَث، والمحدث ما لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهنا اختلف العلماء فعدّه الشافعية والحنابلة؛ مكروهاً، وقال عنه الحنفية أنّه خلاف الأولى، وأمّا المالكية فهم من أباحه.
عند التعزية ما يهم أن يكون المقصود مواساة أهل الميت وليس الرياء والسمعة؛ ليظهر المُعزّي الحزن على الميت وهو ليس بحزين، إنّما فقط يريد التّقرب لأهل الميت بزيارتهم في هذا اليوم ليزوروه إن أصابه مصاب بأهله ليكثر بهذا العمل أصحابُه وأخلاؤه.