وتاريخيًّا:
استعمل الفلور بشكل فلورايد الصوديوم فيما مضى
كسمٍّ للفئران، ودرسه الكيميائيون الألمان في فترة الحرب
العالمية الثانية كعنصر محتمَل للتحكُّم في تعداد السكان
في أية منطقة من خلال معالجة ضخمة لمياه الشرب،
وجرَّبه كلٌّ من الروس والألمان على سُجناء تلك الحرب
لأثره في إخضاع إرادة الذين يُريدون الهيمنة عليهم
بإضافة فلورايد الصوديوم إلى ماء الشرب المعطى لهم
حيث اعتقد أنه جعلهم أغبياء وحمقى، وهو يعتبر بشكله
الغازي من أكثر الغازات ضررًا على طبقة الأوزون،
وبعض المصادر تضعه عندما يزيد في البيئة
مع الزرنيخ والرصاص والزئبق!
ومنذ الأربعينيات تم ربط صحة الأسنان وتلألئها
والوقاية من النخر بإضافة المزيد من هذه المادة،
فانتشرت بدعة "فلورة" مياه الشرب وإضافة الفلور لمعاجين
الأسنان على مستوى العالم، وصارت نسبة كبيرة من الشعوب
تشرب مياها مُفلوَرة من صنابير البلدية أو العبوات المعبَّأة!
وللوهلة الأولى يشعر المرء أن ثمة خطأً ما،
فالله تعالى خلق الناس عروقًا وأنواعًا،
وهو تعالى سخَّر لكل منا البيئة الغذائية المناسبة،
وألهمَنا حسن التأقلُم والتفاعل معها عبر خبرات تراكمية،
وهو ما عبَّرت عنه عادات الأمم الغذائية المتنوعة،
وكثيرًا ما تجد مناطق جغرافية مختلفة في الدولة الواحدة!
وعندما كنت أسأل الزملاء من أطباء الأسنان عن رأيهم
بتعميم فلورة مياه الشرب كانوا يبدون تحفَّظهم
مشيرين لوجود قرى في بلادنا مياهها تَحوي نِسَبًا عالية
من الفلور، وأن ذلك التعميم مع إعطاء حبوب الفلور
روتينيًّا للأطفال خلال زيارة المستوصَف للتلقيح يؤذي ولا ينفع.
ويبدو أن هذه التحفظات ليست جديدة في معظم دول العالم؛
حيث تبيَّن للمهتمين أن معظم العصائر الصناعية
(برتقال وعنب وتفاح وأجاص) والمياه الغازية والشاي
متخمة بالفلور الذي يتركز فيها أكثر من الماء الذي حضرت به،
وفي عام 1996 نشرت الجمعية الأمريكية لأطباء الأسنان
دراسة بيَّنت احتواء (19) نوع من العصير وخمسة أنواع من الشاي
على الفلور بنسبة تزيد على أعلى مقدار مسموح إضافته لمياه الشرب،
ومعلوم أن الحد المأمون هو مِن نصف إلى واحد غرام فلور في اللتر
(أي جزء بالمليون فقط أو ما يعادل ربع ملغ فلوريد في كأس
سعته ربع ليتر)، وكانت تلك المعلومات أحد مؤشرات الخطر،
ولكن الأسوأ أنهم وجَدوا أن الحليب الصناعي فيه (100 - 200)
ضعف محتوى حليب الأم من الفلور، وأن الحبوب عندما
تحضِّرها الأم لطفلها بإضافة الماء وطبخِها تكون غَنِيَّة بالفلور
بسبب تبخُّر الماء وتركز الفلور ضمنها،
كما أن الكثير من اللحوم المصنَّعة (كالدجاج المسمى ناغيت) تحويه..!
ناهيك عن وجوده في الأدوية المختلفة كالمضادات الحيوية!
وبناءً على دراسات على الإنسان، وجد العلماء أن بلع مادة الفلورايد
(الشكل اللاعضوي من الفلور) له تأثير ضار على دماغ الإنسان،
وخاصة عند إعطائه للرضَّع يوميًّا ولو بتركيز منخفِض،
وهو يقلِّل من مستوى مؤشر الذكاء لدى الأطفال،
وأكثرهم مغرم بمَعاجين الأسنان ذات النكهات اللذيذة
والمحتوية على الفلورايد، وبعضهم يَبتلعها باستمرار
إضافة لما يَرِدُهم منه مع الماء والعصير.
فكان المؤشر الثاني للخطر:
هو أننا لا نعلم بالمُجمل مدى ما نبتلعه
نحن أو أطفالنا - والخطر عليهم مضاعف - من فلور حتى لو حاوَلْنا،
كما أن الكثير من شركات الأغذية لا تكتب نسبة الفلور بمنتجها.
ويبرز سؤال مفاده: لماذا كل هذه الضجة؟
وهل زيادة الفلور ضارة إلى هذا الحد؟!
أضرار الفلور:
في الواقع فإن عنصر الفلور ذو نشاط كيماوي شديد،
لدرجة أنه يخرش الجهاز الذي يستحضر به، وتؤدي زيادة
ابتلاعه لتَراكُمه في الأمعاء ومن ثم في بعض النسيج،
ولتدخله في وظيفة بعض الأعضاء الحيوية في الجسم
بشكل ضار، كما سيَلي:
على العظام:
يُضاعف الفلور بكمية ضئيلة كثافة العظام،
إلا أن المُبالغة في إعطائه تؤدي لهشاشتها وسهولة كسرها،
ويسبق ويُرافق ذلك أعراض تم رصدها سريريًّا مثل:
الآلام والتيبُّس في العظام والمفاصِل والأوتار،
ويَحدث تكلُّس في الأربطة واعتلال في المفاصل،
ومع الوقت تَحدُث تشوُّهات في العمود الفقري
ووهن في الكتلة العضلية، وأسوأ ما قد يحدث سرطان عظام
عند الصغار، ومن اليابان وجد الباحثون أن المستوى
"الآمن" للفلورايد - الذي حدَّده المعهد الوطني الأمريكي للسرطان
بجزء واحد في المليون - يُمكن أن يؤدي ليس فقط إلى خلل
مورثي (جيني) بل وإلى إنتاج خلايا سرطانية،
ومن علماء السرطان في أمريكا من أكد أن تأثير الفلوريد
الضار والمُسرطن هو تراكمي مهما ضؤلت نسبة إضافته،
وأضاف أحدهم:
"ولا يهمُّني كم مرة سوف يُكرِّرون في وسائل الإعلام
والمطبوعات أن فلورة موارد المياه هي "آمنة"!
ثم وجد بالمقارنة أن الفلورايد يسبِّب السرطان
بدرجة أعلى من مبيد الحشرات DDT.
الجملة العصبية:
يسبب الفلور الزائد الصداع عند عموم الناس،
ولكن المصيبة هي أثره الضار على أدمغة الأطفال لا سيما الرضَّع،
كما ورد، والتي تتجلى نتائجها فيما بعد بشكل فقدان ذاكرة،
وإنقاص القدرة الذهنية (انخفاض معدل الذكاء)،
ففي الصين أدَّى الفلور المضاف لتدهور ملحوظ في ذكاء الأطفال،
وفي دراسات أمريكية تبين أن الفلور المضاف يحلِّل الرصاص
الموجود في أنابيب المياه والسيئ السمعة جدًّا في الأداء الذهني،
وخاصة في مرحلة الطفولة؛ مما يسبب صعوبات تعلُّم
ومشاكل نفسية، وله دور في داء (الزهايمر)!
الغدد:
من المؤكد أن زيادة ابتلاع الفلور يؤدي لخمول في
وظائف الغدة الدرقية ولقصور في عملها، ولا سيما بوجود
نقص في (اليود) عند الإنسان الذي يشرب المياه والعصائر المفلورة.
الأسنان:
وللغرابة فإن صحة الأسنان التي كانت حجة لإضافة
الفلور للماء تغدو مرضًا حال ابتلاعه غير المحسوب،
لا سيما الأسنان الآخذة في التشكُّل (الأطفال) فتصفر
وتتبقع وقد تصاب بالهشاشة (كحال العظام)!
دور الكُليَة:
لا بدَّ من التنبيه إلى أن أي خلل في وظيفة الكُلية حتى لو كان مؤقتًا،
سيؤدِّي لاحتباس الفلور المبتلع عشوائيًّا - كما رأينا -
وتراكمه وظهور الأضرار المذكورة، أو تفاقمها.
اهتمام عالمي بالفلور: حقائق كانت غائبة وتوصيات:
لكل ما سبق ذكره، أصبح جليًّا أن ضرر إضافة الفلور
للمياه العذبة هو أشد بكثير من الفائدة المحتمَلة منه.
والأسوأ هو تأذي الأطفال كما مر بنا، لذلك خرجت بعض
الجهات عن صمتها مع تنامي المعارضة الجماهيرية في الغرب
لفلوَرة المياه، وتكررت نداءاتهم مثل:
"لماذا أعارض فلورة مياه الشرب"؛
وأصبح الحديث عن فائدتها للأسنان في قاع القائمة
بعد العناوين المبرزة لضرر الفلوريد وأسئلة الناس عنه،
مثل: "كيف يُمكنني إخراج الفلوريد من ماء شربي؟".
ولكن لا يزال الأمر مثارًا للجدل، وتَذكر الأرقام أنه
حتى عام 2012 فإن حوالي (400 مليون) شخص في العالم
كانوا يَحصلون على المياه المفلوَرة صناعيًّا!
بالمقابل فإن أوربا شهدت تراجعًا كبيرًا في تسوُّس الأسنان
بدون تطبيق فلورة مياه الشرب في جميع دوَلِها،
وعُزي ذلك لفلورة معاجين الأسنان هناك منذ سبعينيات
القرن العشرين، والأهم هو تقرير نشر عام 2007 جاء فيه
أنه تمَّ إيقاف فلورة المياه في دول من العالم المتقدِّم منها:
فنلندا - ألمانيا - اليابان - الجزر المنخفضة - السويد - وسويسرا![4].
مع ذلك استمر الاعتقاد بأن هذا الإجراء - أي فلورة المياه –
هو مبرر أكثر في الولايات المتحدة بسبب التباين الاجتماعي
والاقتصادي الكبير المؤثر على صحة الأسنان والعناية بها!
وعمومًا، فتَتواتر اليوم تحذيرات من جميع أنحاء العالم
مما يُبرِز أهمية التوصيات التالية:
• الإصرار على الإرضاع الوالدي، هبة الله تعالى للطفل،
وتجنُّب الحليب الصناعي، وفي حال الاضطرار،
يفضل تحضير الحليب الصناعي بمياه خالية من الفلور
أو فقيرة به، ونفس الأمر يَنطبق على ماء طبخ الحبوب لصغار الأطفال.
• تحرِّي الغذاء المتوازِن ذو المصدر الطبيعي للأسرة ككل،
وتجنُّب العصائر المعلَّبة والمشروبات الغازية قدر الإمكان،
والاستعاضة عنها بالفواكه الطبيعية وعصائرها.
• التقليل أو منع استعمال معاجين الأسنان المحتوية
على الفلور لا سيما للذين يبتلعونها باستمرار،
ومنعها نهائيًّا بالنسبة للأطفال دون سن الثالثة؛
كما أوصت جمعية أطباء أسنان الأطفال الكندية التي أوصت
كذلك بمنع أولئك الأطفال من شرب الماء المفلور،
وقد ثبَت أن كمية الفلور الموجودة بعبوة مَعجون أسنان
واحدة متوسِّطة الحجم كافية في الاستعمال المديد لإلحاق
الضرر بالطفل - بشكل تراكمي - وأن أفضل الطرق لاستخدام
الفلوريد للأطفال هي طريقة التطبيق الموضعي له،
ويفضل بإشراف طبيب الأسنان؛ أما بالنسبة للكبار
فيُمكن استعمال معاجين الأسنان وغسول الفم المفلورة
ولكن مع تفادي بلعها.
• إقلال استعمال الآنية المطلية بالتيفلون لمنع الالتصاق
(المسماة تيفال)، وهي المادة التي يُستعمل الفلور في تصنيعها.
ومع تركز الفلور المضاف للماء في التربة وفي البيئة من حولنا،
ومع استمرار الدراسات، ننتظر المزيد من التوصيات، والأهم لنا
تمحيص المعلومات التي وراءها لنتابع تكوين توصياتنا الخاصة
ببلادنا والمناسبة لها.
وفي الختام نشير من باب الطرافة إلى رد فعل الحضارة المادية
التي تُحسِن استغلال كل شيء، فالشركات الصناعية والتجارية
لم تُضيِّع الوقت أمام تصاعد الوعي بأضرار الفلور في البيئة،
وانبرت لتسويق البدائل المؤقتة التي قد لا تحرر الإنسان،
وهي لا تُعينه حقًّا على تنقية فطرته واستعادة سلامتها،
بل تُبقيه رهينًا لمنتجاتها الأقل ضررًا، والأغلى؛
كالوجبات السريعة "الصحية"، والدجاج المغذَّى بدون هرمونات،
والماء المعبَّأ الخالي من الفلور والذي ثمنه يزيد عن خمسة
أضعاف ثمن الماء العادي المعبأ! لا بل والآنية البديلة لتلك
المطلية بالتفلون والتي وجدتُ لدهشتي بعض المقالات
المحذِّرة من ضرر الفلور في بعض المجلات تستغلُّ للترويج لها!
ويبقى بوسع الإنسان التمتُّع - ببساطة.. ووسطية –
بما سخره له البارئ - عز وجل - في الكون الواسع دون الإخلال بشيء،
فهو عندما يَحفظ بيئته الخارجية ستسلم بيئة جسمِه
الداخلية بإذن الله تعالى ورحمته
﴿ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾
[طه: 50]، سبحانه!
الحمد لله..
________________________________________
[1] جمع مشيمة، وانظر: (ص 110 - 122) كتاب: "الثابت والمتغير"؛
د. غنية النحلاوي - دار الفكر دمشق.
[2] انظر مثلاً: "جراثيم ولكن"؛ شبكة الألوكة، وعن حليب الأم:
[3] في قاموس المعاني، قاموس عربي إنجليزي: Junk food :
"سقط الطعام؛ قمامة الطعام
(أطعمة سريعة غير متوازنة غنية بالكوليسترول والدهون المشبعة"،
والأعجب أن بعضهم عرَّبها: "حثالة الطعام"!
[4] وفي 26 آب 2014 أوقفت دولة العدو الإسرائيلي رسميًّا
إضافة الفلوريد لمصادِرِ المياه، كما ورد في الويكيبيديا!