موضوع: وصية الأسبوع (الوصية الأولى : كُن أعبد الناس) الجمعة أكتوبر 23, 2020 10:52 pm
وصية الأسبوع الوصية الأولى : كُن أعبد الناس. . !
دكتور / بدر عبد الحميد هميسه رحمه الله
عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ يَأْخُذُ مِنْ أُمَّتِي خَمْسَ خِصَالٍ ، فَيَعْمَلُ بِهِنَّ ، أَوْ يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ ؟ قَالَ : قُلْتُ : أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّهُنَّ فِيهَا ، ثُمَّ قَالَ : اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا ، وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ. أخرجه أحمد (2/310 ، رقم 8081) ، والترمذي (4/551 ، رقم 2305) ، وقال : غريب ، والبيهقى في شعب الإيمان (7/78 ، رقم 9543) . قال الألباني في \"السلسلة الصحيحة\" 2 / 637 :أخرجه الترمذي ( 2 / 50 ) و أحمد ( 2 / 310 ) و الخرائطي في \" مكارم الأخلاق \" قال الشيخ الألباني : ( حسن ) انظر حديث رقم : 100 في صحيح الجامع.
وفي رواية عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ كُنْ وَرِعًا تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ ، وَكُنْ قَنِعًا تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاسِ ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا ، وَأَحَسِنْ جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكَ تَكُنْ مُسْلِمًا ، وَأَقِلَّ الضَّحِكَ ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ. لفظ إسماعيل بن زكريا : أَقِلَّ الضَّحِكَ ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ. أخرجه البخاري في \"الأدب المفرد\" 252 .
أولاً : ما هي المحارم ؟ : المحارم هي : المحرمات والكبائر التي نهى عنها الإسلام والتي جاء ذكرها في كتاب الله تعالى وفي سنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم . قال تعالى : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (33) سورة الأعراف. وقال : {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (151) سورة الأنعام.
فلقد نهى الإسلام عن : الشرك وقتل النفس والسرقة والزنا والنميمة والكذب والخيانة وعدم الأمانة وقول الزور وأكل الربا و عقوق الوالدين و قطع الرحم و شرب الخمر والسحر وغيرها من الكبائر.
وكلها محارم أوجب الإسلام على المسلم اجتنباها , وهذه المحارم هي حِمى الله تعالى في أرضه، يجب أن تصان وتعظّم وتحترم كما يصان حمى ملوك أرض ويمنع،
ثانياً : كيف يجتنب المسلم المحارم ؟ : 1- الإخلاص وحسن المراقبة والخوف من الله : الإخلاص هو حقيقة الدين ، ومفتاح دعوة المرسلين , وسر القبول من رب العالمين , قال تعالى : {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (65) سورة غافر. وقال : {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (5) سورة البينة .
عَنْ أَبِى أُمَامَةَ الْبَاهِلِىِّ قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَرَأَيْتَ رَجُلاً غَزَا يَلْتَمِسُ الأَجْرَ وَالذِّكْرَ مَا لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ شيء لَهُ فَأَعَادَهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ شيء لَهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلاَّ مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِىَ بِهِ وَجْهُهُ. أخرجه النسائي 6/25 وفي \"الكبرى\" 4333 .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قال تعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معيَ فيه غيري تركته وشركه ) رواه مسلم . وقال صلى الله عليه وسلّم : ( من تعلَّم علماً مما يُبتغى به وجه الله عزَّ وجل لا يتعلَّمه إلاَّ ليصيب به عَرَضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة ـ يعني ريحها ـ يوم القيامة ) رواه أبو دواد . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباء منثورا أما إنهم إخوانكم و من جلدتكم و يأخذون من الليل كما تأخذون و لكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها . ( صحيح ) انظر حديث رقم : 5028 في صحيح الجامع .
قال أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى معرفاً الإخلاص: (الإخلاص إفراد الحق سبحانه في الطاعة بالقصد، وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله تعالى دون شيء آخر من تصنعٍ لمخلوق أو اكتسابِ مَحْمَدَةٍ عند الناس أو محبة مدحٍ لمخلوق أو معنى من المعاني سوى التقرب إلى الله تعالى. وقال: ويصح أن يقال: الإخلاص تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين) [\"الرسالة القشيرية\" ص95 ـ 96].
وقال سفيان الثوري : ما عالجت شيئاً أشدّ عليَّ من نيتي لأنها تتقلب عليَّ في كل حين . وقال بعض السلف : من سرَّه أن يُكمَّل له عمله فليُحسِّن نيته فإنَّ الله عز وجل يأجر العبد إذا أحسن نيته حتى باللقمة يأكلها. قال سهل بن عبدالله التستري : ليس على النفس شيءٌ أشقُّ من الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب . كان عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - يقول ليس التقى بمن يقوم الليل ويصوم النهار ثم يخلط فيما بين ذلك ـ أي يعتدي ويطلق نظره وسمعه ولسانه وأحيانا يده إلى ما حرم الله . هذا ليس بمتقى إنما المتقى من يؤدى الفرائض ويجتنب المحارم فإن فعل بعد ذلك خيرا فهو خير إلى خير أي من أمور التطوع أما هذه فلابد منها لينال وصف المتقين قال أبو العتاهية :
إذا ما خلوْتَ، الدّهرَ، يوْماً، فلا * * * تَقُلْ خَلَوْتَ ولكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ ولاَ تحْسَبَنَّ اللهَ يغفِلُ مَا مضَى * * * وَلا أنَ مَا يخفَى عَلَيْهِ يغيب لهَوْنَا، لَعَمرُ اللّهِ، حتى تَتابَعَتْ * * * ذُنوبٌ على آثارهِنّ ذُنُوبُ فَيا لَيتَ أنّ اللّهَ يَغفِرُ ما مضَى * * * ويأْذَنُ فِي تَوْباتِنَا فنتُوبُ
قال رجل لوهب بن الورد : عظني فقال له : اتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك . وكان بعض السلف يقول : أتراك ترحم من لم يقرّ عينيه بمعصيتك حتى علم أن لا عين تراه غيرُك . وقال بعضهم : ابن آدم إن كنت حيث ركبت المعصية لم تَصْفُ لك من عينٍ ناظرةٍ إليك ، فلما خلوت بالله وحده صفت لك معصيته ، ولم تستحي منه حياءك من بعض خلقه ، ما أنت إلا أحدُ رجلين : إن كنت ظننت أنه لا يراك فقد كفرت . وإن كنت علمت أنه يراك فلم يمنعك منه ما منعك من أضعف خلقه لقد اجترأت عليه .
وقال الشافعي : أعز الأشياء ثلاثة : الجود من قلة ، والورع في خلوة ، وكلمة الحق عند من يُرجى أو يخاف . وكتب ابن السماك الواعظ إلى أخ لـه : أما بعد أوصيك بتقوى الله الذي هو نجيّك في سريرتك ورقيبك ، فاجعل الله من بالك على كل حال في ليلك ونهارك ، وخف الله بقدر قربه منك وقدرته عليك ، واعلم أنك بعينه ليس تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره ، ولا من ملكه إلى ملك غيره ، فليعظم منه حذرك وليكثر منه وجلك ، والسلام .
ولقي رجل أعرابية فأرادها على نفسها فأبت ، وقالت : أي ثكلتك أمك أمالك زاجر من كرم ؟ أمالك ناه من دين ؟ قال : والله لا يرانا إلا الكواكب ! قالت : ها بأبي أنت ! وأين مكوكبها ؟ . ( رواه البيهقي في الشعب) .
قال محمد بن إسحاق : نزل السَّرِيُّ بن دينار في درب بمصر وكانت فيه امرأة جميلة فتنت الناس بجمالها ، فعلمت به المرأة ، فقالت : لأفتننه ؛ فلما دخلت من باب الدار تكشفت وأظهرت نفسها ، فقال : مَالَكِ ؟! فقالت : هل لك في فراش وطي ، وعيش رخي ، فأقبل عليها وهو يقول :
وكم ذي معاص نال منهن لذة * * * ومات فخلاّها وذاق الدواهيا تصرمُ لذّات المعاصي وتنقضي * * * وتبقى تِباعاتُ المعاصي كما هيا فيا سوءتا والله راءٍ وسامع * * * لعبدٍ بعين الله يغشى المعاصيـا
كان لسليمان بن عبد الملك مؤذّن يؤذنه في قصره بأوقات الصلاة ، فجاءته جارية له مولّدة فقالت : يا أمير المؤمنين إن فلاناً المؤذن إذا مررت به لم يُقلع ببصره عني ، وكان سليمان أشد الناس غيرة ، فهمّ أن يأمر بالمؤذّن ، ثم قال : تزيني وتطيبي وامضي إليه فقولي له : إنه لم يخفَ عني نظرك إليّ ، وبقلبي منك أكثر مما بقلبك مني ، فإن تكن لك حاجة فقد أمكنك مني ما تُريد ، وهذا أمير المؤمنين غافل، فإن لم تُبادر لم أرجع إليك أبدا . فمضت إلى المؤذن وقالت له ما قال لها فرفع طرفه إلى السماء وقال : يا جليل أين سترك الجميل ؟ ثم قال : اذهبي ولا ترجعي ، فعسى أن يكون الملتقى بين يدي مَن لا يخيّب الظنّ .ف رجعت إلى سليمان وأخبرته الخبر فأرسل إليه ، فلما دخل على سليمان قال له الحاجب : إن أمير المؤمنين رأى أن يهب لك فلانة ، ويحمل إليك معها خمسين ألف درهم تنفقها عليها . قال : هيهات يا أمير المؤمنين ! إني والله ذبحت طمعي منها من أول لحظة رأيتها ، وجعلتها ذخيرة لي عند الله وأنا أستحيي أن أسترجع شيئا ادّخرته عنده . فجهد به سليمان أن يأخذ المال والجارية فلم يفعل ، فكان يعجب منه ، ولا يزال يُحدّث أصحابه بحديثه ( القاضي التنوخي : المستجاد من فعلات الأجواد 65 ).
يقول أبو محمد عبد الله بن محمد الأندلسي القحطاني في نونيته :
وإذا خلوت بريبة في ظلمة * * * والنفس داعية إلى الطغيانِ فاستحي من نظر الإله وقل لها : * * * إن الذي خلق الظلام يراني
وقال الشاعر :
اللـه يعلـم كـل ما تضمـر * * * يعلم ما تخفـي وما تظهر وإن خدعت الناس لم تستطع * * * خداع من يطوي ومن ينشر
قال النبي الصلاة والسلام : " اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك و احسب نفسك مع الموتى و اتق دعوة المظلوم فإنها مستجابة ". ( حسن ) انظر حديث رقم : 1037 في صحيح الجامع .
2- معرفة آثار الذنوب والمعاصي : فاعلم - أيها الحبيب - أن انتهاك محارم الله سبب كل بلاء فما نزل بلاء إلا بذنب ، وعن أبي الدرداء أنه قال: (ليحذر امرؤ أن تلعنه قلوب المؤمنين وهو لا يشعر) ثم بين ذلك قائلا: (إن العبد يخلو بمعاصي الله فيلقي الله بغضه في قلوب الخلق وهو لا يشعر). قال الشاعر :
خلَّ الذنوبَ صغيرها * * * و كبيرها ، فهوَ التقى كنْ فوقَ ماشٍ فوقَ أر * * * ضِ الشوكِ يحذرُ ما يرى لا تحفرنّ صغيرة ً ، * * * إنّ الجِبالَ مِن الحَصَى
قال الله {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (30) سورة الشورى. فعلى كل مسلم أن يتقي الله ربه وينظر في أمره ويتوب إلى الله ويعلم أن أي فتنة تنزل بالمسلم سببها نفسه التي أمرته بفعل المعصية وأن المعاصيَ التي يقترفها الناس آناء الليل وأطراف النهار لها آثار مدمرة على الفرد والمجتمع والحياة كلها، وذلك أنّ قوام الحياة وصلاحها إنما هو في الطاعة والاستقامة على أمر الله والتمسك بشرعه الحنيف، وكلّ انحراف عن أمره، وكل إتباع لنزغات الشيطان, وكل تفلُّت من دينه إنما هو ركض وراء السراب، وضرب في تيه الشقاء، ولا بد أن يلمس الإنسان آثارها النكرة في نفسه وحياته ثم في أخراه يوم لقاء ربه.
فمن آثار المعاصي السيئة : أولاً: نسيان العلم وذهاب الحفظ، ويا لها من عقوبة ما أقساها على أهل العلم وطلبته، وذلك أن العلم نور يقذفه الله في القلوب العامرة بطاعته المنيبة إليه سبحانه.
ولذلك روي أن الإمام الشافعي رحمه الله لما جلس بين يدي إمام دار الهجرة الإمام مالك رحمه الله ورأى عليه مخايل النجابة والذكاء بادية، وأعجبه وفورُ عقله وكمال حفظه قال له ناصحا: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بظلمة المعصية.
والشافعي رحمه الله هو القائل في الأبيات التي سارت بين طلبة العلم مسير الشمس:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي * * * فأرشدني إلى ترك المعاصي وقـال اعلم بـأن العلـم نورٌ * * * ونور الله لا يهدى لعاصـي
ثانياً: ومن أعظم آثار المعاصي وأخطرها على العبد الوحشةُ التي تحدثها المعاصي بين العبد وربه، واستثقال الطاعات، واستمراء الفواحش، واعتيادٍ لها، ويا لها من سكرة ما أشد عماها على القلب إن لم يُمدّ صاحبها بنفحة من نفحات الرحمة والهداية، فإنه واقع في حُفرة من حفر الشقاء والعذاب الواصِب لا محالة.
فيصبح لديه إلف للمعصية , بل يصل الأمر إلى خطورة المجاهرة والمفاخرة بتلك المعاصي , وهو ما لا يستوجب غضب الله وعدم معافاته .
ثالثاً: من آثار المعاصي النكرة الحيرة والشقاء وتمزّق القلب في شعاب الدنيا، واللهث وراء السراب، وإتباع الشياطين المتربصة على أفواه السبل المنحرفة عن السبيل الحق.
قال ابن عباس إن للحسنة لنورا في القلب وضياء في الوجه وقوة في البدن وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الخلق وان للسيئة لظلمة في القلب وسوادا في الوجه وهونا في البدن وضيقا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق (ابن تيمية : الزهد والورع والعبادة 50).
أقبل رجل إلى إبراهيم بن أدهم فقال : يا شيخ إن نفسي تدفعني إلى المعاصي فعظني موعظة. فقال له إبراهيم : إذا دعتك نفسك إلى معصية الله فاعصه ولا بأس عليك، ولكن لي إليك خمسة شروط. قال الرجل : هاتها. قال إبراهيم : إذا أردت أن تعصي الله فاختبئ في مكان لا يراك الله فيه. فقال الرجل : سبحان الله، كيف أختفي عنه وهو لا تخفى عليه خافية. فقال إبراهيم : سبحان الله .. أما تستحي أن تعصي الله وهو يراك ؟! فسكت الرجل ثم قال : زدني. فقال إبراهيم : إذا أردت أن تعصي الله فلا تعصه فوق أرضه. فقال الرجل : سبحان الله .. وأين أذهب وكل ما في الكون له. فقال إبراهيم : أما تستحي أن تعصي الله وتسكن فوق أرضه ؟ قال الرجل : زدني. فقال إبراهيم : إذا أردت أن تعصي الله فلا تأكل من رزقه. فقال الرجل : سبحان الله .. وكيف أعيش وكل النعم من عنده. فقال إبراهيم : أما تستحي أن تعصي الله وهو يطعمك ويسقيك ويحفظ عليك قوتك ؟ قال الرجل : زدني. فقال إبراهيم : فإذا عصيت الله ثم جاءتك الملائكة لتسوقك إلى النار فلا تذهب معهم. فقال الرجل : سبحان الله .. وهل لي قوة عليهم إنما يسوقونني سوقاً. فقال إبراهيم : فإذا قرأت ذنوبك في صحيفتك ف أنكر أن تكون فعلتها. فقال الرجل : سبحان الله .. فأين الكرام الكاتبون والملائكة الحافظون والشهود الناطقون. ثم بكى الرجل ومضى وهو يقول : أين الكرام الكاتبون والملائكة الحافظون والشهود الناطقون.
وسئل الحسن البصري عن سر زهده في الدنيا فقال أربعة أشياء: علمت أن رزقي لا يأخذه غيري فاطمأن قلبي، وعلمت أن عملي لا يقوم به غيري فاشتغلت به وحدي، وعلمت أن الله مطلع علي فاستحييت أن يراني عاصيا، وعلمت أن الموت ينتظرني فأعددت الزاد للقاء ربى.
3- معرفة مداخل الشيطان واجتنابها : للشيطان مداخل كثيرة إلى الإنسان يأتي إليه منها حتى يوقعه في محارم الله ومن هذه المداخل : العين واللسان والأذن والفرج واليد والرجل . قال ابن القيم : عباد الله احذروا مكائد الشيطان فإنه عارف بالعيوب بصير بإلقاء العبد في الذنوب له طرق كثيرة إلى الصدور فاستعيذوا من شره بمولاكم علام الغيوب (بستان الواعظين ورياض السامعين 6).
ومن هذه المداخل يستطيع الشيطان أن يصرف الإنسان عن العمل , أو يجعله يسوفه , أو يعمل رياء وسمعه . ولا يستطيع الإنسان مقاومة الشيطان إلا باللجوء إلى الله الرحمن . قال تعالى : {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (6) سورة فاطر.
حكي عن بعض السلف أنه قال لتلميذه : ما تصنع بالشيطان إذا سول لق الخطايا ؟ قال : أجاهده . قال : فإن عاد ؟ قال : أجاهده . قال : فإن عاد ؟ قال : أجاهده . قال : هذا يطول أرأيت إن مررت بغنم فنبحك كلبها أو منعك من العبور ما تصنع ؟ قال : أكابده وأرده جهدي . قال : هذا يطول عليك ، ولكن استعن بصاحب الغنم يكفه عنك . - إن صدقت هذه الرواية - لم يكن تاركاً الدنيا كسباً، بل قلباً.
فرحمة الله تعالى وحفظه لعبده الجاني لا حد ولا منتهى لها , فهو يحفظه وهو مقيم على معصيته . حكى ذو النون المصري، بينما أنا في بعض سياحتي إذ مررت بشاطئ البحر فرأيت عقرباً أسود قد أقبل إلى أن جاء إلى شاطئ البحر، فظننت أنه يشرب فقمت لأنظر فإذا بضفدع قد خرج من الماء وأتاه فحمله على ظهر وذهب به إلى ذلك الجانب، قال ذو النون فاتزرت بمئزري وعمت خلفه حتى إذا صعد من ذلك الجانب صعدت وسرت وراءه فما زال حتى جاء إلى شجرة، فوجدت تحتها غلاماً نائماً من شدة السكر قد أقبل عليه تنين عظيم، قال: فلصقت العقرب برأس التنين ولسعته فقتلته ثم رجعت إلى ظهر الضفدع فعبر بها إلى الماء وسار بها إلى المكان الذي جاءت منه قال ذو النون فتعجبت من ذلك وأنشدت:
يا راقداً والجليل يحفظه * * * من كل سوء يكون في الظلم كيف تنام العيون عن ملك * * * يأتيك منه فوائد النعم
ثم أيقظت الغلام وأخبرته بذلك قال: فلما سمع ذلك قال: أشهدك على أني قد تبت عن هذه الخصلة، ثم جرينا ذلك التنين ورميناه في البحر ولبس ذلك الغلام مسحاً وساح إلى أن مات رحمة الله تعالى عليه. ولله در القائل :
إني ابتليت بأربع ما سلطوا* * * إلا لشدة شقوتي وعنائي إبليس والدنيا ونفسي والهوى * * * كيف الخلاص فكلهم أعدائي
فالتوبة التوبة عباد الله، فإن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها , وإياك والمحارم حتى تكون أعبد الناس .
موضوع: رد: وصية الأسبوع (الوصية الأولى : كُن أعبد الناس) السبت أكتوبر 24, 2020 11:23 am
بارك الله تعالى فيك.......وثقل ميزانك بما تفعله من مجهود في الدعوة لدين الله تعالى تقبل مني مرورا متواضعا وأسأل الله تعالى أن يجازيك علي عملك هذا خير الجزاء.. لك جل تقديري واحترامي