«ترى الفتيان كالنخل وما يدريك ما الدخل»،
قالت المثل امرأة يقال لها عثمة بنت مطرود البجلية، وكانت ذات عقل ورأي عند قومها، وكانت لها أخت يقال لها خود، وكانت ذات حسن وجمال، فتقدم لخطبتها سبعة إخوة من الأزد، كلهم وسيم جميل،
وكان معهم ربيبة لهم يقال لها الشعثاء، فأتوا أبيها وقالوا: نحن بنو مالك بن غفيلة ذي النحيين، وقد بلغنا أن لك بنتاً ونحن كما ترى شباب، وكلنا يمنع الجانب، ويمنح الراغب، فقال أبوها: كلكم خيار فأقيموا نرى رأينا.
دخل الأب على ابنته خود فقال لها: ما ترين؟ فقالت له زوجني على قدري، ولا تشطط في مهري، فإن تخطئني أحلامهم لا تخطئني أجسامهم، خرج أبوها وسألهم عن أفضلهم؟ فردت ربيبتهم مادحة كل منهم، فقالت: هم إخوة، وكلهم اسوة. أما الكبير فمالك، جريء فاتك، يتعب السنابك، ويستصغر المهالك.
وأما الذي يليه، فالغمر، بحر عمر، يقصر دونه الفخر، نهد صقر. وأما الذي يليه، فعلقمة، صليب المعجمة، منيع المشنمة، قليل الجمجمة. وأما الذي يليه، فثواب، سريع الجواب، عتيد الصواب، كريم النصاب، كليث الغاب. وأما الذي يليه، فمدرك، بذول لما يملك، عزوب عما يترك، يفني ويهلك. وأما الذي يليه، فجندل، لقرنه مجندل، مقل لما يحمل، يعطي ويبذل، وعن عدوه لا ينكل. سألت خود أختها عثمة عن رأيها فيهم، فقالت: «ترى الفتيان كالنخل وما يدريك ما الدخل»، فاسمعي مني كلمة، إن شر الغريبة يعلن، وخيرها يدفن، فتزوجي من قومك، ولا تغرك الأجسام،
إلا أن خوداً لم تقبل بمقال أختها، فطلبت من أبيها أن يزوجها من مدرك، فزوجها على مئة ناقة ورعاتها. حملها مدرك، فلم تلبث خود عنده إلا قليلاً حتى غزاهم فوارس من بني مالك، فاقتتلوا ساعة ثم أن زوجها واخوته وبني عامر انكشفوا، فسبوها بني مالك فيمن سبوا، فبينما هي تسير بكت،
فقالوا: ما يبكيك؟ أعلى فراق زوجك؟ قالت: قبّحه الله، من زوج، قالوا: لقد كان جميلا، فقالت: قبح الله جمالا لا نفع معه، إنما أبكي على عصياني لأختي عثمة. فقال لها شاب أفوه مضطرب الخلق: أترضين بي على أن أمنعك من ذئاب العرب، فقالت لأصحابه: أكذلك هو؟ قالوا: نعم إنه مع ما ترين ليمنع الحليلة، وتتقيه القبيلة، قالت: هذا أجمل جمال، وأكمل كمال، قد رضيت به، فزوجوها منه.
وقد قال المتنبي في هذا المعنى:
وما الحسن في وجه الفتى شرفًا له
إذا لم يكن في فعلِه والخلائقِ
ولا خيرَ في حسنِ الجسوم وطولها
إذا لم يزنْ حسنَ الجسومِ عقولُ
أفندينا ♛ و أسوتي النبي يعجبهم هذا الموضوع