لماذا جعل الله نجاة سيدنا إسماعيل عليه السلام عيدًا؟ تتوالَى التَّكبيراتُ لدُخول العشرِ من ذي الحجة، يَتسابَقُ فيها المتسابقونَ لفِعْلِ الخيراتِ، وتتوجُ أيامهم العشرُ بيومِ العيدِ الذي خصَّ الله به المسلمينَ ليكونَ عيدهم الثاني في السنة، وميَّزَ هذا العيد بذبح الأضاحي.
كثُرت الأقوالُ والآراءُ في الحكمة مِن الأضحية، فمِن الأسبابِ الرئيسةِ: إطعام الفقراء؛ كي لا يقضوا عيدهم دون لحمٍ، ومنها إحياءُ سُنَّة سيدنا إبراهيم عليه السلام في ذبح الكبش، وغيرها مِن الأسباب
لكن السبب الأهم مِن بين الأسباب هو: أنَّ الله سبحانه وتعالى أرى العالم كلَّه مشهدَ تحضير سيدنا إسماعيل عليه السلام للذبح، وصوَّر كلَّ ذلك في القرآن تصويرًا فائقَ الرَّوْعة في سورة الصافات بقوله: ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ [الصافات: 102 - 107].
وبعدَ كلِّ هذا العناء والحزن والقلق مِن جهةٍ، والإذعان لأمر الله وطاعته دون مراءٍ مِن جهة أخرى - أتى الأمرُ الربانيُّ بنجاة ِسيدنا إسماعيل عليه السلام. فما الداعي لهذا الابتلاء العظيم الذي وصفَه الله تبارك وتعالى بقوله: ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ ﴾ [الصافات: 106]، وبقوله: ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ﴾ [البقرة: 124]؟ هل أن الله سبحانه وتعالى كان بحاجةٍ لاختبار إيمان سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل عليهما السلام؟
لا بالطبع؛ فهذا الابتلاءُ لِأَمْرٍ أعظم بكثيرٍ مِن مجرد كونه ابتلاءً، فالحكمةُ مِن كل هذا هي: أنَّ الله تعالى يريد أن يُعطيَ للبشرية التي كان يسود فيها آنذاك - وحتى يومنا هذا في بعض البلدان الكافرة - التضحيةُ بالبَشَرِ للآلهة درسًا؛ فالإلهُ الأوحدُ للبشرية أخبَرَنَا أنه ليس بحاجةٍ لقربان يُقَدَّمُ له مِن البَشَر، وعلَّمَنا أنَّ القربان لا يكون إلا بالحيوان، يُذبح لله، ويكون نفعُه للبشر.
بذلك أنهى فصلًا مُؤلمًا، حزينًا، دمويًّا مِن قَتْل البَشَر للبَشَر باسم القُربان للآلهة، ولم يكتفِ اللهُ تبارك وتعالى بهذا التحريم، بل جَعَل يوم التحريم تاريخًا يُعاد كل سنة، كأنه يُذَكِّرنا بهذا القرار الصارم الذي لا رجعةَ فيه، بل جعل الأمر أكبرَ مِن هذا بكثير، فقد جَعَلَهُ عيدًا يحتفل به المسلمون في كل أنحاء الأرض، اليوم الذي نَجَتْ فيه البشريةُ مِن حُكمٍ لأعراف دمويَّةٍ كانتْ سائدةً لقرون طويلة.
فقَتْلُ الإنسان دون سببٍ حرامٌ في ديننا، ولا ذبحَ للإنسان مطلقًا تحت أي عذرٍ أو لأيِّ سبب غير شرعيٍّ كالقصاص مثلًا، أمَّا ما يفعله البعضُ باسم الديانات الإبراهيمية الثلاث، أو باسم الديانات الزائفة؛ فهو مخالفٌ للدين، وسيكون الله خصمهم يوم القيامة. وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم