في سنة 602هـ= 1206م، توفي السلطان شهاب الدين الغوري ملك الدولة الغورية في الهند، وبعد وفاته استقل بأمور الحكم وزيره قطب الدين أيبك الذي لم تمتد أيامه في السلطنة كثيرًا، حيث توفي هو الأخر في سنة 607هـ= 1211م، وبعد وفاة قطب الدين أيبك هذا استطاع مملوكه وقائد جيوشه شمس الدين ألتمش أن يستولي على الحكم، واستمر فيه حتى توفي في سنة 633هـ= 1235م.
عندما مات السلطان شمس الدين ألتمش ترك ثلاثة أولاد هم ركن الدين الذي ولي الحكم خليفة له، ومعز الدين، وناصر الدين، وبنتًا واحدة هي رضية التي تولت الحكم فيما بعد.
كان أول ما فعله السلطان الجديد ركن الدين أن قتل أخاه عز الدين شقيق الأميرة رضية التي أعلنت غضبها ورفضها لما فعله أخوها ركن الدين الذي حاول قتلها، ولكنها عقدت العزم على مواجهة أخيها، وانتظرت خروجه إلى صلاة الجمعة في أحد الأيام، وصعدت إلى سطح قصر مجاور للمسجد، واستوقفت الناس وخاطبتهم من مكانها أعلى السطح وقالت لهم: إن أخي قتل أخاه، وهو يريد قتلي معه، فثار الناس عند ذلك وتوجهوا إلى السلطان ركن الدين وقبضوا عليه وساقوه إلى أخته فقالت لهم: القاتل يقتل، فقتلوه قصاصًا لأخيه، ولما كان أخوهما ناصر الدين طفلًا صغيرًا اتفق الناس على أن تتولى رضية عرش السلطنة.
أعلنت السلطانة الجديدة ولاءها للخليفة العباسي المستنصر بالله، ولكنها لم تطلب منه تفويضًا شرعيًا بالحكم، واستقلت بالملك أربع سنين، وأرادت أن تثبت أنها لا تقل صلابة عن الرجال في شئون الحكم، وكانت تركب الخيول مثلما يفعل الفرسان من الرجال، وقد تسلحت بالقوس والسهام والجعبة، وتحيط بها حاشيتها وهي راكبة، وتذكر بعض المصادر التاريخية أنها قصت شعرها وارتدت ملابس الرجال، وكانت تقود الحملات العسكرية، وتجوب الشوارع والأسواق في ملابس الرجال، لكي تتعرف بشكل مباشر على أحوال رعاياها، وقد أجمع المؤرخون على أنها كانت حاكمة من طراز جيد، ولكنها اتّهمت بعبد لها من الحبشة، فاتفق الناس على خلعها.
لم تكن السلطانة متزوجة وربما كان هذا من بين أسباب نزوتها أو تهمتها، إذ يبدو أنها كانت معجبة بعبد حبشي كان من بين المسئولين عن الاسطبلات هو (أمير الخيول)، وقد لفت أنظار الحاشية إلى هذه العلاقة أن السلطانة منحته لقب أمير الأمراء بدلًا من أمير الخيول، وبدأ الأمراء الذين حلوا تحت إمرة هذا العبد الحبشي يتجسسون على السلطانة، ولاحظ الجميع أن السلطانة تستأنس بصحبة هذا العبد الحبشي، وأشيع ذلك، فاتفق الناس على خلعها من عرشها وتزويجها، وتم ذلك بالفعل، وانتهت فترة حكم السلطانة رضية بتزويجها من أحد أقاربها، ثم صعد أخوها الأصغر ناصر الدين إلى عرش السلطنة.
ولكن يبدو أن المرأة التي ذاقت طعم السلطة لم تستطع الابتعاد عنها كثيرًا، فقد حاولت رضية بنت شمس الدين هي وزوجها استعادة العرش بالقوة، وتمكنا من تجنيد عدد كبير من المماليك والأتباع الذين، وخرج أخوها السلطان ناصر الدين لمواجهتها، وكانت الهزيمة من نصيب جيش السلطانة التي اضطرت إلى الفرار وحدها هائمة على وجهها، حتى ساقتها قدماها إلى أحد الحقول فوجدت فلاحًا يحرث الأرض فظنها محاربًا أعياه القتال ونال منه الجوع والإعياء.
طلبت السلطانة من الفلاح شيئًا تأكله، فأعطاها كسرة خبز فأكلتها ونامت بعد أن غلبها النوم وهي في ملابس الرجال، فلما نامت نظر إليها الفلاح وهي نائمة فرأى تحت ثيابها قباءً مرصّعًا، فعلم أنها امرأة فقتلها، وسلبها وطرد فرسها ودفنها في أرضه، وأخذ بعض ثيابها فذهب إلى السوق يبيعها، فأنكر أهل السوق، وثارت شكوك أهل السوق حول هذا الفلاح بثيابه الرثة وهو يعرض عليهم شراء ثياب السلطانة المقتولة، بما تحمله من آثار النعمة، فاقتادوه إلى مسئول الشرطة في المدينة، وتحت وطأة الضرب المبرح أقرّ الفلاح بقتلها، ثم دلهم على المكان الذي دفنها فيه، فأخرجوها من مدفنها وغسّلوها وكفنوها ثم أعيد دفنها وبنوا فوق قبرها قبة، وقد ذكر ابن بطوطة أن قبر السلطانة رضية في زمانه كان مزارًا يتبرك به الناس.
تلك قصة ملكة مسلمة حكم أبوها بالعدل، فأنقذها العدل من بطش أخيها، وساندها الشعب إيمانًا بالعدل وحفظًا لذكرى أبيها، ولكنها انساقت وراء عاطفة الحب التي تحرّمها تقاليد هذا الشعب، فخسرت العرش ثم لقيت نهاية مأساوية، ولكن أغرب ما في الحكاية أن قبرها صار مزارًا يتبرك الناس به حسبما قال ابن بطوطة فهل كان ذلك تبرّكًا بشجاعتها في مواجهة أخيها القاتل، أم بعدالة حكمها، أم نوعًا من التكفير عن الذنب تجاه السلطانة المقتولة؟[1].
[1] ابن بطوطة: تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، أكاديمية المملكة المغربية، 1417هـ، 3/ 117- 123، ودكتور قاسم عبده قاسم: السلطانة رضية رفعها العدل وقتلها الحب، دار عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية.