أمور الغيب من اختصاص الله عزَّ وجلَّ وحده:
وقد غاب عن عقول كثيرٍ من المسلمين أنَّه لا يعلم الغيب إلَّا الله،
مع أنَّ هذا أصلٌ من أصول الإيمان،
قال تعالى: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل: 65]،
وقال تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ
وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ
[الأنعام: 59]،
وقال: فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ [يونس: 20].
وقال النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام: مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلَّا الله
لا يعلم ما في غدٍ إلَّا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلَّا الله،
ولا يعلم متى يأتي المطر أحدٌ إلَّا الله،
ولا تدري نفسٌ بأي أرض تموت، ولا يعلم متى تقوم السَّاعة إلَّا الله
[رواه البخاري: 4420].
يعلم ما في الأرحام: ليس فقط هل هو ذكر أو أنثى؟
يعلم شقيٌ أو سعيدٌ، وما رزقه؟ وما عمله؟ كم أجله؟
هل سينزل تامًا أو خديجًا أو ميتًا أو حيتًا؟
يُقدِّرون أحيانًا ساعة ولادة ثم يفاجأون بأمر آخر،
إذا علموا شيئًا ممَّا في الرَّحم بواسطة الموجات فوق الصَّوتية
يعلمون شيئًا هو موجود،
يعني: ليس عندهم قدرة على الغيب أبدًا،
هم إذا علموا سيعلمون شيئًا موجودًا
لا قبل خلقه ولا في المستقبل، كذلك الأرصاد الجوية توقعات
لكن كم قطرةٍ ستنزل بالضَّبط من السماء؟
وما الذي ينفع الله منها؟
وكيف سيكون الحال؟
وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ [الحجر: 22].
فهذا أنزله من السَّماء موزوناً، كُلُّ قطرةٍ بميزان وبمقدار عند الله،
فالله يخزنه في باطن الأرض: {وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ}
من الذي يخزنه؟
أصبح مع الأسف من السَّهل على كثيرٍ
من المسلمين التَّصديق بكلام السَّحرة والعرَّافين والمنجمين،
ويأخذون كلامهم أحيانًا بالطُّرق القديمة:
الخطُّ بالرَّمل، الضَّرب بالودع، قراءة الكفِّ
أو طرق كرة الكريستال، التَّنجيم الإلكتروني:
من أتى كاهنًا أو عرافًا فصدقه بما يقول فقد كفر
بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم
[رواه أحمد: 9532، والبيهقي: 16939،
وصححه الألباني في الجامع الصغير: 10883].
فالآن بعض الدَّورات هذه فيها ادِّعاء علم الغيب،
يوجد كثيرٌ من تطبيقات الفلسفات الشَّرقية تقوم على التَّنجيم والكهانة،
كما هو واقع في بعض تطبيقات الريكي كما ذكرت،
مها نمور في كتاب طاقة الكون بين يديك،
وكما ذكر عبد التَّواب حسين في مبادئ العلاج
بالطَّاقة الحيوية ليوروفيدا في العلاج الكريمة والبلورات،
كما ذكر زكريا هميمي في علاج الأمراض بالأحجار الكريمة،
وكما ذكر حسَّان جعفر في العلاج والشِّفاء بالأحجار الكريمة،
الكهانة جزءٌ ما يتجزأ من الجي جنج أو التغيير، وهو من أقدم كتاب التغيير
ومن أقدم الكتب الكلاسيكية، وهو أساس الفلسفة الصِّينية والمنبع الأول
للبرجماتية الطَّاوية لي طاو طي جينج وهو أهم كتب الطَّاوية،
ومنهم تستمدُّ مبادئها الفلسفية والدِّينية، ومن المراجع المهمة
جداً في هذا التَّطبيقات المعاصرة لفلسفة الاستشفاء الشَّرقية
للدُّكتورة هيفاء رشيد، كثير من المعالجين
يدعون إمكانية التَّنبُّؤ بالمرض قبل وجوده وقبل وجود أي شيء
من أعراضه، وهذا الكلام قد نقبل به أحيانًا من نتيجة مثلاً
الاختبارات أو الفحوصات، قد يقول مثلاً: هذه جيِّنات وراثية
حاملة لمرض كذا، أو يقولون مثلاً:
هذا يحمل الجيِّن هو غير مريض، لكن يحمل الجيِّن فممكن
أولاده سيعانون من ذلك، فهذا شيءٌ قائمٌ على أبحاث الجيِّنات،
وهذه مسائلٌ واحتمالاتٌ، لكن أن يقول من خلال فتح هالاتك الأثيرية،
وكُلُّ واحدٍ عنده هالة أثيرية ومن خلالها يعرف أنَّه سيصيبك
المرض قبل أن يأتيك، ولو أنَّه ليس عندك عرَضٌ من أعراضه،
في أيِّ مختبر موجود هذا، وأن وقع هذا الفحص؟ أعطونا هيئةً
عالميةً معتمدةً، أو أبحاثاً عالمية صحيحة من جامعات
محترمة في الطب، وهل قالت هذا كلياتُ طبٍّ عالمية؟
وما هي هالاتك الأثيرية؟
وهل هو الجهاز الذي يفحص هالاتك الأثيرية أو من خلال الاستعانة
بوسطاء يزعمون أنَّهم يخبرونهم بحقيقة الأمراض والأمور المغيبة؟
ومن هم الوسطاء الذين يقولون: أن أراوح الأموات تعيينا في معرفة
واكتشاف هذا المرض؟ إذًا بعض الدَّورات فيها قضية اتصال بأرواح
أموات تخبر ماذا عندك، وما الذي تُصاب به مستقبلاً، وتعطي أشياء
وقائية، وهناك أناس مستعدةٌ لتُصدِّق هذه الهلوسات والدَّجل،
وبعضهم يُصرِّح ويقول: نستعين بأرواح ممكن من الجنِّ والشَّياطين،
وقد يكون كذب، يعني: قد يكونون يستعينون فعلاً بالشَّياطين،
وقد لا يستعينون، فلا يُصدِّق ولا يلجأ في الحقيقة
إلى هذه الأمور إلَّا من انقطع عن نور الوحي،
قال الإمام الخطابي رحمه الله:
"كانت الكهانة في الجاهلية فاشية خصوصًا في العرب لانقطاع النُّبُوَّة فيهم"
[فتح الباري: 10/217].
يعني: بعد إسماعيل عليه السَّلام فشت فيهم الكهانة،
وغياب العقيدة يجعل كثيرًا من النَّاس لا يتبيَّن أنَّ الكثير من هذه التَّطبيقات
والبرامج التَّدريبية وأصولها هي امتداد لفلسفاتٍ وثنيةٍ،
ومذاهبٍ عقديةٍ قديمةٍ منحرفةٍ كالباطنية والهندوسية،
والفلسفة الشَّرقية تعتمد على مصادرها الخاصَّة في الإخبار
عن الحوادث والأمور الغيبية من كتبهم المقدسة، هندوسية طاوية بوذية،
مثل: الفيدات، والسوترات، والطاو طي جنج فلسفة الاستشفاء الشَّرقية،
ليست مجرَّد تجارب أو طِبّ شعبي، لا بل جزء من منظومة فلسفية متكاملة،
يُفسَّر من خلالها الكون والوجود مصادرهم استمداد الغيبيات والتَّنبُّؤ من هذا،
فأين هذا من منهج السَّلف الصَّالح؟
ما هو موقف القرآن والسُّنَّة من هذا الطَّرح الموجود في بعض الدَّورات؟
سنتعرف بمشيئة الله تعالى على المزيد من هذا في الدُّروس القادمة،
وغدًا بمشيئة الله بعد صلاة المغرب درسنا في هذه السِّلسلة
لنعود يوم الأحد بعده بمشيئة الله إلى الدَّرس الثَّالث.
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد.
الشيخ محمد صالح المنجد