عاشراً:- بدع محدثات في نهاية السنة الهجرية وبدايتها :-
قبل ذكر هذه البدع والمحدثات ، لابد أن نبين أنه مامن عمل صالح إلا ويشترط فيه شرطان هما:-
1- الإخلاص لله تعالى كما قال تعالى ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء)
2- المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم كما روى الشيخان عن عائشة رضي الله
عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منة فهو رد ) .
وفي رواية لمسلم ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )
3- وقد قال العلماء لابد من موافقة النبي صلى الله عليه وسلم في العبادة في ستة أمور :-
1- الصفة :- مثل صفة الصلاة والحج .
2- القدر :- مثل قدر صلاة الظهر أربع ركعات .
3- الزمن :- كأوقات الصلاة والصيام والحج
4- المكان :- مثل مشاعر الحج ( منى – مزدلفة – عرفات )
5- الجنس :- مثل بهيمة الأنعام في الأضحية والهدي .
6- السبب :- وهو ما يتعلق ببحثنا هذا ، فأي عبادة وجد سببها في وقت
النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يفعلها ، ففعلها بدعة محدثة ،
مثل الاحتفال بالمولد النبوي وغير ذلك ، ولا يعتذر عن ذلك
بقول بعضهم عند فعل البدع ( إنما أردنا التقرب إلى الله بعبادته )
فإن الله تعالى بعث إلينا نبياً يعلمنا ويدلنا على مايحبه ويرضاه من العبادات والأعمال الصالحة .
ولذلك خرج ابن وضاح عن الأعمش أنه ذكر لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه
أن ناسا بالكوفة يسبحون بالحصى بالمسجد ، فأتاهم وقد كوم كل رجل منهم
بين يديه كوما من الحصى ، قال :- فلم يزل يحصبهم بالحصى حتى أخرجهم
من المسجد ، ويقول :- لقد أحدثتم بدعة وظلما ، وقد فضلتم أصحاب محمد علما )
وقال الشاطبي :- في كتابه الاعتصام :- الباب الخامس :-
في أحكام البدع الحقيقية والإضافية والفرق بينهما ، ثم قال :-
ومن البدع الإضافية التي تقرب من الحقيقية :-
أن يكون أصل العبادة مشروعا ألا أنها تخرج عن أصل شريعتها بغير دليل
توهما أنها باقية على أصلها ) .
ومثال ذلك أن يقال :-
إن الصوم في الجملة مندوب إليه لم يخصه الشارع بوقت دون وقت
ولا حد فيه زمان دون زمان ، ماعدا ما نهي عن صيامه على الخصوص
كالعيدين وندب إليه على الخصوص كعرفة وعاشوراء ، فإذا خص منه
يوما من الجمعة بعينها ، أو أيام من الشهر بأعيانها ، لا من جهة ما عينه
الشارع ، كيوم الإربعاء مثلاً ُفي يوم الجمعة , والسابع والثامن في الشهر،
وما أشبه ذلك ,فلا شك أنه رأي محض بلا دليل ، ضاهى به تخصيص
الشارع أيام بأعيانها دون غيرها ، فصار التخصيص من المكلف بدعة ،
إذ هي تشريع بغير مستند )
(وعلى هذا تدور بدع ومحدثات نهاية السنة وبدايتها,حيث أنه تخصيص أيام
بعينها للاستغفار أوالدعاء أو المحاسبة,وهذا التخصيص رأي محض بغير دليل
من الكتاب ولا من السنة,فأصبحت بهذا بدعة محدثة يجب الحذر منها
والابتعاد عنها,وفي ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم الخير والكفاية والتمام والكمال .
إذا علم ذلك فإليك بعضاً من البدع والمحدثات في نهاية السنة الهجرية:-
1/ ختم السنة بالاستغفار أو الأعمال الصالحة في آخر يومٍ منها.
2/ تعظيم آخر جمعة من السنة بالاستغفار أو الدعاء.
3/ اعتقاد أن هناك صحائف لأعمال الإنسان تطوى في آخر السنة.
4/ أمر الناس وحثهم على محاسبة أنفسهم في آخر السنة.
وإنما كانت هذه الأمور من البدع لأن الشارع لم يجعل نهاية السنة
ميداناً لمحاسبة النفس, ولم يثبت فضيلة للاستغفار أو الدعاء أو الأعمال الصالحة
في آخر يوم أو جمعة من السنة,ولم يثبت أيضاً أن صحائف الأعمال
الصالحة تطوى نهاية السنة
إن اختراع أدعية وأذكار مرتبه لبعض الأزمان من ساعة أو يوم ، أو ليله ،
أو أسبوع ، أو شهر ، أو عام ، لم يقم عليها دليل , يكون بدعةً في الدين
وتعبداً بما لم يأذن به الشرع الكريم,
ويجر إلى مضارعة للكافرين من اليهود والنصارى والوثنين في تقديسهم
بعض الأزمان الحولية فما دونها وما يحدثونه فيها من الأذكار والترانيم ,
ثم قال وفقه الله:-
دعاء آخر السنة:- لم يثبت في الشرع شيئاً من دعاء أو ذكر لآخر العام
وقد أحدث الناس فيه من الدعاء ،ورتبوا مالم يأذن به الشرع فهو بدعةً لا أصل له.
• بدع ومحدثات بداية السنة الهجرية :-
1- أذكار بداية السنة ، قال الشيخ بكر أبو زيد :- دعاء أول السنة لا يثبت في الشرع
شيء من ذكر أو من دعاء لأول العام ، وهو أول يوم أو ليلة من شهر محرم ،
وقد أحدث الناس فيه من الدعاء والذكر والذكريات وتبادل التهاني وصوم أول
يوم من السنة وإحياء ليلة أول يوم من محرم بالصلاة والذكر والدعاء ،
وصوم أآخر يوم من السنة إلى غير ذلك مما لا دليل عليه .
2- التهنئة في بداية السنة ، والاحتفال بذلك :-
في إجابة الفتوى رقم ( 1002 ) للجنة الدائمة :-
( الأعياد في الإسلام ثلاثة :- يوم عيد الفطر ، ويوم عيد الأضحى ، ويوم الجمعة ،
أما أعياد الميلاد الفردية وغيرها مما يجتمع فيه من المناسبات السارة كأول
يوم من السنة الهجرية والميلادية ، ويوم نصف شعبان ، أو ليلة النصف منه ،
ويوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم ويوم تولى زعيم الملك أو لرئاسة جمهورية مثلا ،
فهذه وأمثالها لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الخلفاء الراشدين ،
ولا في القرون الثلاثة التي شهد لها النبي بالخير، فهي من البدع المحدثة ،
التي سرت إلى المسلمين من غيرهم ، وفتنوا بها ، وقد قال النبي
( إياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة )
وقال ( من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد )
وهذا ظاهر فيما إذا كان الاحتفال لتعظيم من احتفل من أجله ،
أو لرجاء بركته أو المثوبة من القيام به كمولد النبي صلى الله عليه وسلم ،
أما مالم يقصد التبرك ولا المثوبة ، كالاحتفال بميلاد الأولاد ،
وأول السنة الهجرية أو الميلادية ، وبيوم تولي الزعماء لمناصبهم ،
فهو وإن كان من بدع العادات ، إلا أن فيه مضاهاة للكفار في أعيادهم ،
وذريعة إلى أنواع أخرى من الاحتفالات المحرمة ،
التي ظهر فيها معنى التعظيم والتقرب لغير الله ، فكانت ممنوعة ،
سداً للذريعة ، وبعداً عن مشابهة الكفار في أعيادهم ، واحتفالاتهم ،
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من تشبه بقوم فهو منهم )
وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين :-
شاع في بعض البلاد الإسلامية الاحتفال بأول يوم من شهر محرم
من كل عام ، باعتباره أول أيام العام الهجري ، ويجعله بعضهم إجازة له
عن العمل ، كما يتبادلون فيه الهدايا المكلفة مادياً ؟
فأجاب فضيلته بقوله :-
تخصيص الأيام أو الشهور أو السنوات بعيد ، مرجعه إلى الشرع وليس إلى العادة ،
ولهذا لما قدم النبي المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال :-
ما هذا اليومان ؟ قالوا كنا نلعب فيهما في الجاهلية ، فقال :-
(( إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر ))
ولو أن الأعياد في الإسلام كانت تابعة للعادات لأحدث الناس لكل حدث عيداً ،
ولم يكن للأعياد الشرعية كبير فائدة ))
ثم إنه يخشى أن هؤلاء اتخذوا رأس السنة أو أولها عيداً متابعة للنصارى
ومضاهاة لهم يتخذون عيداً عند رأس السنة الميلادية ،
فيكون في اتخاذ شهر المحرم عيداً محذورٌ آخر .
3- ما ينتشر عند بعض الناس من تخصيص أول يوم من محرم بلبس الثياب
البيض وشرب الحليب تفاؤلاً باللون الأبيض أن تكون سنتهم الهجرية الجديدة
سالمة من كل سوء ومصيبة ، فأما لبس الثياب البيض فحث عليه الشارع
بقوله صلى الله عليه وسلم
(( البسوا من ثيابكم البيض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم ))
أخرجه الإمام أحمد والترمذي وأبو داود وصححه ابن ماجه والحاكم
من حديث ابن عباس رضي الله عنهما .
لكنه لم يقيد لبسها بأول يوم من المحرم ، وتقييد اللبس به من البدع ،
وأما شرب الحليب في أول يوم من المحرم فلم يثبت به دليل فهو من البدع المحدثة .
وختاماً فإن من الواجب على كل مسلم أن يتمسك بتأريخه الهجري ويعتز به ويحافظ عليه ،
وأن يحرص على إخلاص العبادة لله وحده ، والتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وأن يحذر من البدع والمحدثات في الدين .
والله أسأل أن يفقهنا وإخواننا المسلمين في دينه ، ويوفقنا لما يحبه ويرضاه ،
ويعصمنا مما يغضبه ويأباه.
وصلى الله عليه وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ,
وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين .
كتبه إمام وخطيب جامع الربع بالرياض
وليد بن علي المديفر