موضوع: الغول أسطورة عربية بين الواقع والخيال الأربعاء يوليو 29, 2020 6:53 am
تلك الكلمة التي أثارت في نفوسنا الرعب ونجن صغار، ما تزال تخيف الأشخاص وتثير الرهبة في نفوسهم للآن، نتطرق إلى أسطورة الغول منذ نشأتها إلى الآن.
الغول
هو مخلوق تخيلي غامض، أصله عربي، حيث كان يظهر كثيرًا في حكايات الموروث الشعبي العربي، خصوصًا قصص وحكايات الأطفال، نستعرض هنا أسطورة قصة الغول بالتفصيل. اعتدنا الكثير من الأساطير الغربية والتي كانت قصص الغرب القديمة هي منابعها وأساس نشأتها وتصديرها للعالم أجمع بعد ذلك، لكن الواقع أن من ضمن الأساطير التي تجوب أرجاء العالم أساطيرٌ عربيةٌ أيضًا صدرتها الحضارة العربية للعالم بدورها وكانت هي أصلها ومنشأها، لكن بعضها لا يُعرف له حقًا تاريخٌ أو أصلٌ أو بداية، ولم يعرف حتى على وجه الدقة البلد التي نشأت فيها الأسطورة وبدأت من عندها وإنما بدا وكأن تلك الأسطورة موجودةٌ منذ زمن كوجود الشمس والقمر والأرض والسماء والحيوان والإنسان،
الغول أسطورةٌ من تلك الأساطير المرعبة المخيفة التي لم نجد لها المنشأ الدقيق لكننا نعرف أكثر من حاجتي لقول ذلك أنها كانت موجودةً دومًا حتى قبل وجودنا، وأنها من أشهر قصص الجدات وعفاريت الصبا ووسائل ترهيب الأمهات العربيات للأبناء، لست أظن أن هناك أمًا في حضارةٍ عربيةٍ عريقة سألت ابنها النوم وإلا جاء له مصاص الدماء! لكني أعرف يقين المعرفة أنه ما من أمٍ عربية لم تقل لابنها إن لم تنم فستأتيك الغولة! وربما أمنا الغولة، إذًا فبين الحقيقة والخيال والأسطورة والواقع وبين تراثٍ شعبيٍّ حقيقي وأسطورةٍ متأصلة الجذور في المجتمعات والشعبيات وبين قصص الجدات وتخويف الأطفال،
ما الحقيقة؟ تعرف على الغول ما الغول؟ ورد ذكر الغول في العديد من الأساطير والروايات الشعبية العربية وآمن به وبوجوده الكثير من العرب أشهرهم المصريون والفلسطينيون وسكان شبه الجزيرة العربية، وكان الكبار يرهبونه قبل الصغار والقصص الشعبية هنا لم تكن تتحدث عن تخويف أطفالٍ ليناموا وإنما كانت قضيةً مرعبةً تشغل العقول والأذهان، وأسطورةً تفرض وجودها بقوةٍ على كثيرٍ من الوقائع، قيل أن لفظة الغول جاءت من كلمة التحايل والخداع وهو أحد أهم صفات الغول وأبرزها حسب الأساطير المختلفة، فالغول يلجأ للتماهي وتغيير شكله ومظهره ويخفي حقيقته ليتمكن من الإيقاع بفريسته والقبض عليها،
في كثيرٍ من الأساطير كان تفضيل أو ترجيح ذكر الغولة الأنثى أكبر وأكثر من خليلها الغول الذكر والذي ربما لم يوجد في بعض تلك القصص والأساطير وإنما وُجدت قصة الغولة وحيدة الجنس تلك، والتي تظهر في الظلام للمسافرين وعابري السبيل والضائعين فتأخذ شكلًا محببًا لهم أو شكل امرأةٍ فاتنةٍ توقعهم في حبائلها وتخطفهم ثم تأكلهم،
من صفات الغول التي قالتها تلك الأساطير أنه كائنٌ نصف حيوانيٍّ نصف بشريّ، أقدامه كأقدام الحمار وجسمه مغطى بالشعر الكثيف له قرون ماعز وعيونٌ حمراءٌ مشقوقة ولونه أسود مرعب وحجمه ضخمٌ وهائل، ومن جهةٍ أخرى جاء وصف الغولة في أساطير أخرى بأنها ذات شعرٍ كثيفٍ طويل يقطر زيتًا وملامح مرعبة وأسنان حادة وجسد مشوه وأقدام ماعز أو حمار وربما ذيل ماعز ونظراتٍ مرعبة، وأنها حين تنام يخرج من بطنها أصوات صياح بشر ونهيق حميرٍ وغيرها من الكائنات التي تناولتها في يقظتها.
الغول والجان كثيرًا ما ورد الخلط بين الغول والجان عند كثيرٍ من العرب واعتبارهم واحدًا وهو ما جاء الإسلام كديانةٍ سماويةٍ تنفي الأساطير والخرافات وتقر الوقائع فترفض ك ما هو مثل الغول وأشباهه لكنها تقر الجان ويرد ذكرهم في القرآن مراتٍ عديدة واعتبارهم أحد مخلوقات الله مثلهم كمثل الإنس منهم الكافر ومنهم المؤمن، وكان ذلك الاعتقاد نابعًا مما وصف به الغول من قدرته على التماهي وتغيير شكله والاختفاء عن أعين الآخرين والخداع وغيرها من تلك الصفات المريبة التي ترسخ في الأذهان والخيال منذ قديم الزمان أنها أفعال جنٍ وعفاريت، كما أن العرب قديمًا كان لديهم ذلك الاعتقاد أيضًا بأن الغيلان هم سحرة الجان أو تابعون لهم أو خدّامهم أو الفصيل الشرير من الجان.
الغول سلوكه وصفاته كما ذكرنا فالغول أو الغولة كان الخداع والتماهي صفتين من أبرز صفاتهم لكن مكان وجودهم اختلف من أسطورةٍ شعبيةٍ لأخرى، فبلادٌ مطلةٌ على الأنهار جعلت منها كائنًا مائيًا يختفي تحت سطح الماء في النهار ولا يخرج ليعيث فسادًا إلا في جوف ظلمة الليل، وبعضها قيل أنه يسحب ضحاياه معه إلى الماء فيغرقهم ويأكلهم، وبلادُ أخرى تغزو أرضها الصحاري اعتبرتها كائنًا مولودًا من جوف ظلام القفر تظهر للتائهين والضائعين وتغوي الرجال بجمالها أو خداعها وتسوقهم إلى حتفهم وحين يطلع النهار تكون اختفت في قلب صحرائها، جعل ذلك التناقض وتضارب الأقوال والأساطير الأمر أكثر صعوبةً على التصديق فاعتبرها كثيرون كائنًا برمائيًا تستطيع العيش على اليابسة وفي الماء وهي تنام دهرًا وتستيقظ دهرًا، وقد تعجب الغولة بأحد الرجال فتخطفه وتختفي به سنينًا لتتزوجه وربما تنجب منه الأولاد ثم تتركه يعود لأرضه بعد ذلك، والغول الذكر قيل أنه يتنكر في هيئة عجوزٍ لطيف يجذب الأطفال من حوله فيستدرجهم ثم يأكلهم، وعلى جانبٍ آخر بجانب المكر والخداع فقيل عنهم الوحشية فهم لا يلجؤون للخداع دومًا وإنما في بعض الأحيان، أما في أحيانٍ أخرى فهم يفترسون فريستهم كالضواري
كانت أسطورة الغول من قوتها وانتشارها أن ذُكرت في كثيرٍ من الأدبيات والأشعار والقصائد وعلى ألسنة الأدباء العرب مرارًا، ومما يُحكى عنه أنه يموت من ضربةٍ واحدة فإن أثنيت عليها عادت له قوته وحياته وانتقم منك، وهو ما كان يستخدمه في خداع من يحاولون قتله فيتوسل إليهم أن يثنوا عليه الضربة ليرحموه من عذابه فإن فعلوا عاد لقوته وعنفوانه ومزقهم.
أمنا الغولة كثيرًا ما سمعنا في طفولتنا لفظة أمنا الغولة وهو ما له قصةٌ يُقال أنها كانت حقيقة تلك التسمية الغريبة وأصلها، فيُحكى أن إحدى الغولات أحبت رجلًا عاديًا بسيطًا وأحبها ولم يكن يدري شيئًا عن حقيقتها بينما اختارت هي أن تعيش معه حياةً عاديةً وطبيعيةً جدًا، وأنجبت له ولدين قيل أن اسمهما كان محمد ومحمدين، ثم في أحد الليالي اكتشف الزوج بالصدفة أن زوجته تخرج من البيت ليلًا ثم تعود قرب الفجر فتنام في الفراش كأن شيئًا لم يكن، فراودته الشكوك والمخاوف وعقد العزم على أن يتبعها ذات ليلة فيعرف الحقيقة، وكانت الليلة التي قرر أن يتبعها فيها فوجدها تخرج من قريتهم لقريةٍ مجاورة فتلتقي مع أختها ثم تتحولان معًا لشكلٍ قبيحٍ مخيفٍ رهيب كان يسميه العرب سلعوة، وانطلقتا معًا إلى المقابر تنبشان القبور وتأكلان الجثث وتقرقعان الرقاب، فعاد الرجل لبيته جزعًا مرتعبًا من هول ما رأى وعادت زوجته في موعدها قرب الفجر المعتاد فسألها كأس ماءٍ فأبت قائلةً أن صوت الماء المنسكب يخيفها، عندها غضب عليها وسألها كيف يخيفها صوت انسكاب الماء ويفرحها صوت قرقعة الرقاب فعلمت أنه علم سرها، وقالت له أنه لولا ولديهما لكانت قتلته وتناولته ثم غادرت واختفت للأبد مع أختها!
الغول والسلعوة بعد ظهور أسطورة الغول في الشعبيات بدأت أسطورتا السلعوة والغول في الإندماج والتداخل معًا وصار الكثيرون يعتبرونهما واحدًا، بالطبع لسنا هنا في صدد الحديث عن الحيوان القارض الصغير الأشبه بالفأر الذي يطلق عليه المصريون السلعوة، وإنما كانت السلعوة هي كائنًا مخيفًا وهي أنثى حقيقتها أشبه بالقرود من كثر ما يغطيها الشعر، ويُقال أنها غير نظيفة قذرة بجانب قبحها ورغم ذلك فهي تحب كثيرًا من يثني على جمالها ونظافتها! إن كانت الغولة ذات جانبٍ وحشيٍّ افتراسي فالسلعوة هي جانب الخداع والغواية التامين واللذان جعلاها تتداخل مع أسطورة الغولة واعتبرهما الكثيرون واحدًا، وكانت أسطورة السلعوة والغولة العربية وجدت لنفسها تلاقيًا مع أسطورة ليليث الآشورية التي عرف عنها قدرتها على غواية الرجال واللعب بعقولهم ومضاجعتهم وما إن يقعوا في حبائلها حتى تقتلهم وتفترسهم.
الغول الإغريقي صحيحٌ أن الغول كانت أسطورةً عربيةً لكن ذلك لا يعني أن بقية الحضارات حول العالم لم تجد لنفسها مقعدًا في جلسة الأساطير تلك فكل حضارةٍ حملت أسطورة الغول الخاصة بها وقصصها ذات الطابع الشعبي الأقرب لمجتمعاتها، دائمًا ما كانت الحضارة الإغريقية ذات أساطيرٍ أكثر غرابةً وتحمل طابعًا ومسحةً إغريقية! لا أجد وصفًا آخر يصف الأساطير الإغريقية سوى بأنها إغريقيةٌ جدًا بطابعٍ مميز جعلك تدرك أنك في صدد أسطورةٍ من أساطيرهم، كان الإغريق يعتبرون الغيلان كائناتٍ همجية عنيفة وشهوانية ومحدودة الذكاء، كما أنها تعشق الخمور والسكر وتتبع النساء وتخطفهم، وهو ما انتقل مع الوقت بنفس الطريقة أو بتحريفٍ بسيط إلى بلاد شرق آسيا وجعلهم يؤمنون بحقيقة الغيلان كما قال الإغريق وأنهم كانوا يسكنون الجبال ويتخفون فيها، عندها قام جماعةٌ من رهبان التبت بنصب كمينٍ لهم فجاؤوا بالخمور وشراب الأرز والسكاكين الحقيقية والمزيفة، فشرب بوابين الجبال ورقصوا وتظاهروا بالسكر وبدؤوا يطعنون بعضهم بالسكاكين المزيفة، وبعد انسحابهم نزل الغيلان فشربوا الخمر الحقيقي الذي تركوه قاصدين وأمسكوا بالسكاكين الحقيقية وبدؤوا بطعن بعضهم البعض حتى ماتوا جميعًا ولم يتبقَ منهم سوى غولٌ واحد، يقل أنه يظهر من حينٍ لآخر هناك.
الغول في أساطير الغرب كانت هناك أساطير أخرى عن الغيلان كثيرة عبر أنحاء العالم وكانت إحداها مرتبطةً ارتباطًا عميقًا بأسطورة أكلة لحوم البشر، وجاء ذلك الترابط من حقيقة كون الغيلان تأكل لحوم البشر هي الأخرى فكانت الأسطورة أن أي إنسانٍ يأكل لحم البشر يصبح غير قادرٍ على التوقف عنه، ومع الاستمرار في تناول لحوم البشر يتحول إلى غولٍ وحشيٍ مع الوقت فيكبر ويستطيل جسده وتظهر له الحوافر والأنياب وتختفي صفاته الآدمية مع الوقت ويقل ذكاءً لكنه يملك ما يكفيه من الذكاء لعملية توفير الطعام لنفسه، فهو يجد مخبأً أمينًا فيختطف ضحاياه ويحتجزهم في ذلك المخبأ محافظًا عليهم على قيد الحياة حتى يتسنى له أن يجد عددًا لا بأس به من الوجبات الطازجة عندما يصيبه الجوع، وقيل أن هذا الغول لا يقتله سوى إشعال النيران فيه، ومن ناحيةٍ أخرى ظهرت أساطير أخرى تربط بين الجان والغيلان في كائنٍ كبيرٍ ضخم أشبه بالبشر لكن جسده يحمل الكثير من النقوش الغريبة وملامحه مرعبة وهو يقوم باختطاف ضحاياه وتعليقهم وقتلهم ببطء وامتصاص دمائهم بينما يدخل ضحاياه في حالةٍ من الهلوسة وفقدان الوعي فلا يشعرون بأي شيء ولا يبدون أي مقاومة، وقيل أن هذا الغول لا يمكن قتله إلا بطعنه بسكينٍ عليه دم حمل.
إن كان حقيقةً أم خيال بعد كل ما ذُكر هنا وكل ما قيل تبدو بعض القصص والأساطير صعبة التصديق حقًا عن الغيلان بينما تبدو غيلانٌ أخرى في أساطيرٍ أخرى معقولة التصديق، لا يمكن لأحدٍ أن يجزم حقًا أو يُثبت بالأدلة الدامغة وجود الغيلان من عدم وجودها وإن كانت مجرد حيواناتٍ هجينةٍ مفترسة كان خيال القدماء واسعًا بشدة لينسجوا منها قصصًا وأساطير، أم أنها كانت حقائق وصبغت بطابع الأسطورة وأُضيفت إليها الكثير من اللمسات الخيالية لإضفاء جوٍّ أكثر رعبًا، الواقع أننا لا ندري ولا يبدو أننا سندري، فبعض الأشياء وُجدت لتظل غامضة.