| موضوع: فلسفة الصيام لمصطفى صادق الرافعي الإثنين يوليو 06, 2020 5:17 pm | |
| فلسفة الصيام لـ مصطفى صادق الرافعي ، في موضوع فلسفة الصيام كتب الرافعي هذا المقال مغطياً فكرة الفلسفة الروحية للـ الصوم وناقداً لمن حصر فلسفة الصيام في الفوائد الصحية للبدن ، [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] فيه الفقر الإجباري ، فيه الاطمئنان و المساواة ، وإثبات قوة الإرادة ، في ثلاثين يوماً هي أيام قلبية يتحصل فيها قوة روحية للعابد تمده نفسه فيها بـ مدد الصبر .. المقال من ١٥٧٤ كلمة و ٨٠ فقرة يستغرق للقراءة الصامتة ٧ دقائق فقط
لم أقرأ لأحدٍ قولاً شافياً في فلسفة الصوم وحكمته، أما منفعته للجسم، وأنه نوعٌ من الطب له، وبابٌ من السياسة في تدبيره _ فقد فرغ الأطباءُ من تحقيق القول في ذلك؛ وكأن أيام هذا الشهر المبارك إن هي إلا ثلاثون حبَّةً تؤخذ في كل سنة مرةً؛ لتقوية المعدة، وتصفية الدم، وحياطة أنسجة الجسم. ولكنا الآن لسنا بصدد من هذا، وإنما نستوحي تلك الحقيقة الإسلامية الكبرى التي شرعت هذا الشرع لسياسة الحقائق الأرضية الصغيرة، عاملةً على استمرار الفكرة الإنسانية فيها، كي لا تتبدَّل النفس على تغير الحوادث وتَبَدُّلها، ولكيلا تجهل الدنيا معانيَ الترقيع إذا أتت على هذه الدنيا معاني التمزيق. من معجزات القرآن الكريم أنه يدَّخر في الألفاظ المعروفة في كل زمن حقائق غير معروفة لكل زمن، فيجليِّها لوقتها حين يضجُّ الزمانُ العلميُّ في متاهته وحيرته، فيشغَب على التاريخ وأهله مُسْتَخِفَّاً بالأديان، ويذهب يتتبع الحقائق، ويستقصي في فنون المعرفة؛ ليستخلصَ من بين كفرٍ وإيمان ديناً طبيعياً سائغاً، يتناول الحياة أوَّل ما يتناول، فيضبِطها بأسرار العلم، ويوجهها بالعلم إلى غايتها الصحيحة، ويضاعف قواها بأساليبه الطبيعية؛ ليحقِّق في إنسانيته العالَم هذه الشيئية المجهولة التي تتوهمُها المذاهب الاجتماعية، ولم يهتد إليها مذهبٌ منها ولا قاربها؛ فما برحت سعادة الاجتماع كالتجربة العلمية بين يدي علمائها: لم يحققوها، ولم ييأسوا منها، وبقيت تلك المذاهب كعقارب الساعة في دورتها: تبدأ من حيث تبدأ، ثم تنتهي لا تنتهي إلاَّ إلى حيث تبدأ…. فلسفة الصيام : فقرٌ إجباري:
يضطرب الاشتراكيون في أوربا وقد عجزوا عجزَ مَنْ يحاول تغيير الإنسان بزيادة ونقص في أعصابه، ولا يزال مذهبهم في الدنيا مذهبَ كتب ورسائل، ولو أنهم تدبروا حكمة الصوم في الإسلام، لرأوا هذا الشهر نظاماً علمياً من أقوى وأبدع الأنظمة الاشتراكية الصحيحة؛ فهذا الصوم فقرٌ إجباري تفرضه الشريعة على الناس فرضاً؛ ليتساوى الجميع في بواطنهم، سواء منهم من ملك المليون من الدنانير، ومن ملك القرش الواحد، ومن لم يملك شيئاً، كما يتساوى الناس جميعاً في ذهاب كبريائهم الإنسانية بالصلاة التي يفرضها الإسلام على كل مسلم، وفي ذهاب تفاوتهم الاجتماعي بالحج الذي تفرضه على من استطاع. فقر إجباري يراد به إشعار النفس الإنسانية بطريقة عملية واضحة كل الوضوح أن الحياة الصحيحة وراء الحياة لا فيها، وأنها إنما تكون على أتمها حين يتساوى الناس في الشعور لا حين يختلفون، وحين يتعاطون بإحساس الألم الواحد لا حين يتنازعون بإحساس الأهواء المتعددة. ولو حققت رأيت الناس لا يختلفون في الإنسانية بعقولهم، ولا بأنسابهم، ولا بمراتبهم، ولا بما ملكوا، وإنما يختلفون ببطونهم، وأحكام هذه البطون على العقل والعاطفة؛ فمن البطن نكبة الإنسانية، وهو العقل العملي على الأرض، وإذا اختلف البطن والدماغ في ضرورةٍ مدَّ البطن مدَّه من قوي الهضم فلم يُبْقِ، ولم يَذَرْ. ومن ههنا يتناوله الصوم بالتهذيب والتأديب والتدريب، ويجعل الناس فيه سواء: ليس لجميعهم إلا شعورٌ واحد، وحسٌّ واحد، وطبيعة واحدة، ويُحْكِمُ الأمر؛ فيحول بين البطن وبين المادة، ويبالغ في إحكامه فيمسك حواشيه العصيبة في الجسم كله يمنعها تغذيتها ولذتها حتى نفثة من دخينة. وبهذا يضع الإنسانية كلها في حالة نفسية واحدة، تتلبس بها النفس في مشارق الأرض ومغاربها، ويطلق في هذه الإنسانية كلها صوت الروح يُعَلِّم الرحمة، ويدعو إليها، فَيُشْبِع فيها بهذا الجوع فكرةً معينة هي كل ما في مذهب الاشتراكية من الحق، وهي تلك التي يكون عنها مساواة الغنيّ للفقير من طبيعته، واطمئنان الفقير إلى الغني بطبيعته. فلسفة الصيام : الاطمئنانِ والمساواةِ:
ومن الاطمئنانِ والمساواةِ يكون هدوءُ الحياة بهذه النفسين اللتين هما السلب والإيجاب في هذا الاجتماع الإنساني. وإذا أنت نزعت هذه الفكرة من الاشتراكية بقيَ هذا المذهب كلُه عبثاً من العبث في محاولة جعل التاريخ الإنساني تاريخاً لا طبيعة له. من قواعد النفس أن الرحمة تنشأ عن الألم، وهذا بعض السر الاجتماعي العظيم في الصوم؛ إذ يبالغ أشدَّ المبالغة، ويدقق كل التدقيق في منع الغذاء، وشبه الغذاء عن البطن وحواشيه مدةً آخرها آخر الطاقة؛ فهذه طريقة عملية لتربية الرحمة في النفس، ولا طريقة غيرها إلا النكبات والكوارث؛ فهما طريقتان كما ترى: مبصرة وعمياء، وخاصة وعامة، وعلى نظام وعلى فجأة. ومتى تحققت رحمةُ الجائع الغني للجائع الفقير أصبح للكلمة الإنسانية الداخلية سلطانها النافذ، وحَكَمَ الوازع النفسي على المادة، فيسمع الغني في ضميره صوت الفقير يقول: أعطني، ثم لا يسمع منه طلباً من الرجاء، بل طلباً من الأمر لا مفرَّ من تلبيته والاستجابة لمعانيه، كما يواسي المبتلى مَنْ كان في مثل بلائه. أية معجزة إصلاحية أعجب من هذه المعجزة الإسلامية؛ التي تقضي أن يُحذَف من الإنسانية كلها تاريخ البطن ثلاثين يوماً في كل سنة؛ ليحلَّ في محله تاريخ النفس؟ وأنا مستيقنٌ أن هناك نسبةً رياضية هي الحكمة في جعل هذا الصوم شهراً كاملاً من كل اثني عشر شهراً، وأن هذه النسبة متحققة في أعمال النفس للجسم، وأعمال الجسم للنفس، كأنه الشهر الصحيُّ الذي يفرضه الطب في كل سنة للراحة والاستجمام وتغيير المعيشة، لإحداث الترميم العصبي في الجسم. ولعل ذلك آتٍ من العلاقة بين دورة الدم في الجسم الإنساني، وبين القمر منذ يكون هلالاً إلى أن يدخل في المحاق، إذ تنتفخ العروق وتربو في النصف الأول من الشهر، كأنها (مدّ) من نور القمر ما دام هذا النور إلى زيادة، ثم يراجعها الجَزْرُ في النصف الثاني؛ حتى كأن للدم إضاءةً وظلاماً. وإذا ثبت أن للقمر أثراً في الأمراض العصبية، وفي مدِّ الدم وجزره(3) فهذا من أعجب الحكمة في أن يكون الصيام شهراً قمرياً دون غيره. فلسفة الصيام : إثبات الإرادة:
وفي ترائي الهلال ووجوب الصوم لرؤيته معنى دقيق آخر، وهو _ مع إثبات رؤية الهلال وإعلانها _ إثبات الإرادة وإعلانها، كأنما انبعث أول الشعاع السماوي في التنبيه الإنساني العام لفروض الرحمة، والإنسانية والبر. وهنا حكمة كبيرة من حكم الصوم، وهي عمله في تربية الإرادة، وتقويتها بهذا الأسلوب العلمي، الذي يدرب الصائم على أن يمتنع باختياره من شهواته ولذةِ حيوانيته، مُصِرّاً على الامتناع، متهيئاً له بعزيمة، صابراً عليه بأخلاق الصبر، مزاولاً في كل ذلك أفضل طريقةٍ نفسية لاكتساب الفكرة الثابتة ترسخ لا تتغير ولا تتحوَّل، ولا تعدو عليها عوادي الغريزة. وإدراك هذه القوة من الإرادة العلمية منزلة اجتماعية سامية، هي في الإنسانية فوق منزلة الذكاء والعلم؛ ففي هذين تعرض الفكرة مارَّةً مرورها، ولكنها في الإرادة تعرض؛ لتستقر، وتتحقق؛ فانظر في أي قانون من القوانين، وفي أية أمة من الأمم تجد ثلاثين يوماً من كل سنة قد فُرضت فرضاً لتربية إرادة الشعب، ومزاولته فكرة نفسيةً واحدةً بخصائصها وملابساتها حتى تستقر، وترسخ، وتعود جزءاً من عمل الإنسان، لا خيالاً يمرُّ برأسه مراً. أليست هذه هي إتاحة الفرصة العلمية التي جعلوها أساساً في تكوين الإرادة؟ وهل تبلغ الإرادة فيما تبلغ أعلى من منزلتها حين تجعل شهوات المرء مُذْعنةً لفكره، منقادة للوازع النفسي فيه، مصرَّفَةً بالحس الديني المسيطر على النفس ومشاعرها؟ أما والله لو عمَّ هذا الصوم الإسلامي أهل الأرض جميعاً لآلَ معناه أن يكون إجماعاً من الإنسانية كلِّها على إعلان الثورة شهراً كاملاً في السنة؛ لتطهير العالم من رذائله وفساده، ومحق الأثرة والبخل فيه، وطرح المسألة النفسية؛ ليتدارسها أهل الأرض دراسة علميةً مدةَ هذا الشهر بطوله؛ فيهبط كل رجل، وكل امرأة إلى أعماق نفسه ومكامنها؛ ليختبر في مصنع فكره معنى الحاجة ومعنى الفقر، وليفهم في طبيعة جسمه _ لا في الكتب _ معاني الصبر والثبات والإرادة، وليبلغ من ذلك وذلك درجات الإنسانية والمواساة والإحسان؛ فيحقق بهذه وتلك معاني الإخاء، والحرية، والمساواة. فلسفة الصيام : أيام قلبية:
شهرٌ هو أيام قلبية في الزمن، متى أشرفت على الدنيا قال الزمن لأهله: هذه أيام من أَنفسكم لا منْ أيامي، ومنْ طبيعتكم لا منْ طبيعتي، فيقبل العالم كله على حالة نفسية بالغةِ السمو، يَتَعهَّد فيها النفس برياضتها على معالي الأمور، ومكارم الأخلاق، ويفهم الحياة على وجه آخر غير وجهها الكالح، ويراها كأنما أجيعت من طعامها اليومي كما جاع هو، وكأنما أفرغت من خسائسها وشهواتها كما فرغ هو، وكأنما أُلزمت معاني التقوى كما ألزمها هو. وما أجمل وأبدع أن تظهرَ الحياة في العالم كله _ ولو يوماً واحداً _ حاملة في يدها السُّبحة! فكيف بها على ذلك شهراً من كل سنة؟ إنها والله طريقة عملية لرسوخ فكرة الخير والحق في النفس، وتطهير الاجتماع من خسائس العقل المادي، ورد هذه الطبيعة الحيوانية المحكومة في ظاهرها بالقوانين، والمحررة من القوانين في باطنها _ إلى قانون من باطنها نفسه يُطهِّر مشاعرها، ويسمو بإحساسها، ويصْرِفُها إلى معاني إنسانيتها، ويهذب من زياداتها، ويحذف كثيراً من فضولها، حتى يرجع بها إلى نحو من براءة الطفولة، فيجعلها صافيةً مشرقةً بما يجتذب إليها من معاني الخير والصفاء والإشراق؛ إذ كان من عمل الفكرة الثابتة في النفس أن تدعوَ إليها ما يلائمها ويتصل بطبيعتها من الفِكَرِ الأخرى. والنفس في هذا الشهر مُحْتََسَبَة في فكرة الخير وحدها؛ فهي تبني بناءها من ذلك ما استطاعت. هذا على الحقيقة ليس شهراً من الأشهر، بل هو فصل نفساني كفصول الطبيعة في دورانها، ولهو _ والله _ أَشْبَه بفصل الشتاء في حلوله على الدنيا بالجو الذي من طبيعته السحب والغيث، ومن عمله إمداد الحياة بوسائلَ لها ما بعدها إلى آخر السنة، ومن رياضته أنْ يُكْسِبَهَا الصلابة والانكماش والخفَّة، ومن غايته إعداد الطبيعة للتفتح عن جمال باطنها في الربيع الذي يتلوه. فلسفة الصيام : مدد الصبر:
وعجيب جداً أن هذا الشهر الذي يدَّخر فيه الجسم من قواه المعنوية؛ فيودعها مصرف روحانيته؛ ليجد منها عند الشدائد مدد الصبر والثبات والعزم والجلد والخشونة. عجيب جداً أن هذا الشهر الاقتصادي هو من أيام السنة كفائدة 8,5 في المائة، فكأنه يسجل في أعصاب حساب قوته وربحه، فله في كل سنة زيادة 8,5 من قوته المعنوية الروحانية. وسِحْرُ العظائم في هذه الدنيا إنما يكون في الأمة التي تعرف كيف تدَّخر هذه القوة، وتوفِّرها؛ لتستمدها عند الحاجة، وذلك هو سرُّ أسلافنا الأولين الذين كانوا يجدون على الفقر في دمائهم وأعصابهم ما تجد الجيوش العظمى اليوم في مخازن العتاد، والأسلحة، والذخيرة. كل ما ذكرته في هذا المقال من فلسفة الصوم، فإنما استخرجته من هذه الآية الكريمة: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ]البقرة: 183. وقد فهمها العلماء جميعاً على أنها معنى (التقوى)، أما أنا فأوَّلتُها من (الاتِّقاء)؛ فبالصوم يتقي المرء على نفسه أن يكون كالحيوان الذي شريعته معدته، وألاَّ يُعامل الدنيا إلا بمواد هذه الشريعة، ويتقي المجتمع على إنسانيته وطبيعته مثل ذلك، فلا يكون إنسانٌ مع إنسانٍ كحمارٍ مع إنسان: يبيعه القوة كلها بالقليل من العلف. وبالصوم يتقي هذا وهذا ما بين يديه وما خلفه؛ فإنَّ ما بين يديه هو الحاضر من طباعه وأخلاقه، وما خلفه هو الجيل الذي سيرث من هذه الطباع والأخلاق، فيعمل بنفسه في الحاضر، ويعمل بالحاضر في الآتي(4). وكل ما شرحناه فهو اتقاء ضرر؛ لجلب منفعة، واتقاء رذيلة؛ لجلب فضيلة، وبهذا التأويل تتوجه الآية الكريمة جهةً فلسفيةً عاليةً، لا يأتي البيان ولا العلم ولا الفلسفة بأوجزَ ولا أكملَ من لفظها، ويتوجَّه الصيام على أنه شريعة اجتماعية إنسانية عامة، يتقي بها الاجتماع شرور نفسه، ولن يتهذب العالم إلا إذا كان له مع القوانين النافذة هذا القانون العام الذي اسمه الصوم، ومعناه قانون البطن… ألا ما أعظمك يا شهر رمضان ! لو عرفك العالم حق معرفتك لسَمَّاكَ: مدرسة الثلاثين يوماً.
الهوامش
____________________ (1)
وحي القلم 2/66_72. (2)
هو الأديب الكبير مصطفى صادق بن عبد الرزاق الرافعي ولد سنة 1298هـ ببلدة بهتيم بمحافظة القليوبية بمصر، وقضى شطراً من صباه فيها والتحق بمدرستها الابتدائية . ثم انتقل أبوه إلى المنصورية فانتقل معه والتحق بالابتدائية هناك، وتخرج فيها سنة 1315هـ، ثم أصيب بالمرض الذي أضعف صوته، وأفضى بسمعه إلى الصم؛ فانقطع عن الدراسة، وأقبل على مكتبة أبيه الزاخرة بصنوف الكتب ، وكان أبوه من علماء الأزهر لذا كان مجلسه عامراً بالعلماء والأدباء، ومكتبته زاخرة بنفائس الكتب . ومن هذه المصادر الثلاثة _ والده ,مكتبة والده ,مرتادو مجلس والده _ استقى الرافعي علمه وتحصيله، ثم نقل والده الشيخ عبد الرزاق إلى طنطا قاضياً بمحكمتها, فانتقل معه ابنه مصطفى , وعُيِّن كاتباً في المحكمة، وكان مثال النشاط والإخلاص في عمله الذي لم يصرفه عن الإقبال على القراءة والكتابة . انتخب الرافعي للمجمع العلمي بدمشق، وكان منزله ومكتبه ومقهى لمنوس أماكن يرتادها تلامذة الرافعي ومحبوه، يتلقى أسئلتهم، ويجيب عليها بصدر رحب . ويعد الرافعي في زمانه حامل أدب الأصالة، ورافع راية البلاغة؛ فهو الرجل الذي وقف قلمه وبيانه في سبيل الدفاع عن القرآن ولغة القرآن . وقد بدأ حياته شاعراً, إلا أنه أقبل على الكتابة في أواخر عمره، وكانت صلته بالصحف مبكرة؛ حيث أقبل عليها يودعها مقالاته وبحوثه التي كان يطرق بها كل ميدان؛ فكان يعالج قضايا المجتمع كالفقر, والجهل, و السفور, والرد على مطاعن أعداء الإسلام. له مؤلفات عديدة، ومنها: تاريخ آداب العرب، وحديث القمر، ورسائل الأحزان، والسحاب الأحمر، وأوراق الورد، وتحت راية القرآن. وخير كتبه كتاب وحي القلم، ويقع في ثلاث مجلدات، وكان حصيلة ما كتب في مجلة الرسالة، وله مؤلفات عديدة غيرها، وقد ضاع كثير مما كتب بسبب رداءة خطه، توفي عام 1356هـ. __________
(3)
قال الجاحظ في الحيوان: ولزيادة القمر حتى يصير بدراً، أثر بين زيادة الدماء والأدمغة وجميع الرطوبات. __________
(4)
يفسر القرآن بعضه بعضاً، ومن معجزاته في هذا التأويل الذي استخرجناه، أنه يؤيده بالآية الكريمة في سورة (يس): [وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ] يّس: 45، ويشير إلى هذا التأويل قول النبي “: إنما الصوم جُنَة فإذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم، إني صائم. الجنة الوقاية يتقي بها الإنسان، والمراد أن يعتقد الصائم أنه قد صام؛ ليتقي شرَّ حيوانيته وحواسه، فقوله: إني صائم، إني صائم، أي إنني غائب عن الفحش والجهل والشر، إني في نفسي، ولست في حيوانيتي. (4)
الحديقة 7/ 106_ 110، عام 1349هـ
| |
|