*باقة فجل كشفتني.
وبائع خضار دمرني.
وأستاذ حكيم انقذني*
قبل حوالي ثمانين سنة مضت,
كانت مدينة سامراء في شمال بغداد
مدينة علم , فيها جامعة دينة كبيرة وعلى راس هذة الجامعة الدينية رجل دين ( اسمه السيد أبو
الحسن الاصفهاني قدس سره ),
نقل حوزته العلمية من النجف لها
( اي الى سامراء) بعد ثورة العشرين .
كان (قدس سره) من ألمع رجالات الفكر في العراق ، ولدية عدد كبير من الطلاب ,
من شتى أنحاء العالم الاسلامي ,
وكان من انبغ تلامذته تلميذ فقير الحال , ولكن يحمل ذهناً متوقداً ,
وكانت معيشته عن طريق راتب من قبل استاذه الكبير (السيدابو الحسن الاصفهاني قدس سره )راتب لا يكاد يقضي له طعامة ومسكنه راتب ضئيل ولكن طموح التلميذ كان كبيراً ، وهو أن يصبح يوماً من الأيام عالماً ومرجعاً كبيراً .
في يوم ظهيرةٍ وحار جداً خرج التلميذ الفقير من الدرس ,
وكان جائعاً ويحمل في جيبه فلساً ونصف الفلس , وكانت الوجبة من الخبز والفجل تكلف
فلسين .
المهم اشترى بفلس واحد خبزة واحدة وذهب إلى صاحب محل الحضروات وطلب منه باقة فجل ،
وقال للبائع : احمل نصف فلس فقط .
رد عليه البائع : ولكن الباقة بفلسٍ واحد .
فرد عليه التلميذ : لا شي عندي أُعطيك سوى علمي ، سوف افيدك في مسالة فقهية معينة .
فرد علية بائع الفجل : لو كان علمك ينفع لكسبت نصف فلس من اجل إكمال سعر باقة فجل واحدة !
اذهب سود الله وجهك !!
(طبعا سوء خلق من بائع الخضروات ) .
كانت صدمة للتلميذ ، وخرج من محل البائع وهو يجر أذيال الخيبة ,
وفي رأسه الكثير من الاسئلة ،
وهو يقول : (صحيح لو كان علمي ينفع لكنت أكملت سعر باقة الفجل الواحدة) !
نصف فلس !
علم عشر سنين لم ياتِ لي بنصف
فلس !
كم غبي انا ، كل عمري راح هدراً على شيء لم يجلب لي نصف فلس !
والله لأترك الدرس ، وأبحث عن عمل يليق بي وأقدر أن اشتري به ما اشتهي وأعيش عيشة رجل محترم .
بعد أيام افتقد الاستاذ الكيبر تلميذه
النجيب .
وفي قاعة الدرس سأل الطلاب : أين
فلان ؟
فرد عليه الطلاب : إنه يعمل وقد ترك الدرس والعلم .
استغرب الأستاذ الكبير !
قال أين بيته ؟ اريد أن أذهب إليه !
قالو له : استاذنا أنت أعظم من أن تذهب لهذا التلميذ وقد ترك الدرس بإرادته ؟
قال الاستاذ : أريد أن أعرف ما هو
سبب ترك الدرس ؟
المهم أن الطلاب دلوا الاستاذ على بيت الطالب .
فذهب إليه ولما دخل عليه خجل التلميذ من دخول أستاذه الكبير
عليه .
قال : مرحباً بك استاذي .
فرد عليه الاستاذ : لماذا تركت دروسك ؟
فردّ عليه مسرداً القصة كاملة .
مسك الاستاذ لحيتة وقال : اذاً أنت تحتاج الى نقود ؟ هذا خاتمي
- وهو ثمين - اذهب وبعه .
قال التلميذ : استاذي ليست القصة قصة خاتم ونقود ، إنما أنا كرهت طلب العلم ؛ لأنه لا نفع منه .
فرد عليه الاستاذ : هذا الخاتم ليس
من أجل العودة الى درسك ، بل من أجل أن تفك ضائقتك . خذه وعندما تبيعه تعال لي .
وكان السيد - قدس سره - ذو حكمة بالغة ؛ فهو الحكيم في ذلك الوقت .
المهم ، ذهب تلميذه إلى محلات الصاغة وهناك عرض الخاتم للبيع فاستغرب الصائغ وقال : اشتري منك الخاتم بألف دينار !!
ولكن من أين لك هذا الخاتم ؟
قال : هو هدية لي من استاذي
(( السيدابو الحسن الاصفهاني ))
قال الصائغ مستغرباً : من أين تعرفه وشكلك لا يوحي أنك تعرفه وملابسك رثة ؟ أنت سارق لهذا الخاتم أليس كذلك ؟
رد عليه التلميذ : تعال معي من أجل أن تصدق أنه هدية من أستاذي .
ذهب الصائغ مع التلميذ وهناك قابل الاستاذ الكبير ، وأكد الأستاذ أن الخاتم هدية منه إلى تلميذه .
دفع الصائغ النقود الى التليمذ وذهب .
قال الاستاذ للتلميذ : إلى أين ذهبت عندما أردت بيع الخاتم ؟
رد التلميذ : إلى محلات الصائغة بالطبع .
فسأله الأستاذ : لماذا ذهبت إلى محلات الصاغة ؟
فأجاب التلميذ : هناك يعرفون قيمة الخواتم والمعادن الثمينة .
فرد عليه الأستاذ متعجبا : فلماذا إذن قبلت أن يقيّمك بائع
الخضراوت ، ويثمن علمك ،
ويقول : إنّ علمك لا ينفع شيئاً !!؟
هل يستطيع بائع الفجل أن يثمن علمك !!؟
فلا يثمّن الشيء سوى من يعرف قيمته .
أنا اثمنك أنك من أعظم تلامذتي .
يابني : لا تدع من لا يعرف قيمتك يثمنك
فالتثمين من صاحب الخبرة في كل عمل ، فأهل العلم يقيمون العالم وأهل الخضروات أعلم منك بقيمتها .
ارجع بني إلى درسك وعلمك .
هذة القصة الرائعة تنطبق على حياتنا ,
كم مرة نقع ضمن تثمين خاطيء ,
من شخص لا يعرف قيمتنا
التقيم ينبع من جهتين : من الداخل ومن الخارج :
من داخلنا : يجب أن نعرف أننا بشر
نخطيء ونصيب ، ونتعلم من اخطائنا على الدوام ، ولكن العبرة في تعلم الدروس والتقييم
ومن الخارج : من اشخاص بارزين يعرفون قيمة الإنسان مهما كان صغيراً .
اسأل الباري عزوجل أن يرحمنا ويقبلنا بأحسن القبول بحق محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين .