معلومات عن الحكمه من تقبيل الحجر الاسود يقع المسجد الحرام في مكة المكرمة، وهي إحدى مدن جزيرة العرب، ويرجع تاريخ عمارتها إلى عهد إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، كما وُلد فيها رسول الإسلام محمدٌ صلّى الله عليه وسلّم، فكانت مهبط الوحي، والمسجد الحرام يعدّ أول مسجدٍ وُضع للناس في الأرض، بدلالة قول الله -تعالى- في القرآن الكريم: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ)،[١] وتقع الكعبة وسط المسجد الحرام تقريباً، وهي قبلة المسلمين في كلّ أنحاء الأرض، فالكعبة حجرةٌ كبيرةٌ مربّعة البناء تقريباً، يصل ارتفاعها إلى خمسة عشر متراً، وقد بناها إبراهيم الخليل -عليه السلام- بأمر الله تعالى، وقد تعرّضت للغزو من قِبل أبرهة الحبشي، في عام ميلاد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فجاءها أبرهة بجيشٍ فيه فيلٌ يريد أن يغزوها، إلّا أنّ الله -تعالى- أرسل عليه طيراً من الأبابيل رمته وجيشه بحجارةٍ من سجيلٍ، لا تصيب أحداً من الجيش إلّا وهلك، ففُنِيَ الجيش بأمر الله تعالى.[٢
ويضمّ المسجد في حدوده مجموعةً من الآثار الدينية، منها: مقام إبراهيم عليه السلام؛ وهو الحجر الذي كان يقف عليه أثناء بناء الكعبة، ومنها أيضاً نبع زمزم؛ وهو البئر الذي شاء الله -تعالى- أن ينبع لهاجر وولدها إسماعيل -عليه السلام- لمّا عطش، وتجدر الإشارة إلى أنّ الحجرالأسود ومقام إبراهيم ياقوتتان من ياقوت الجنة، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ الرُّكنَ والمقامَ ياقوتتانِ مِن ياقوتِ الجنَّةِ، طَمسَ اللَّهُ نورَهُما، ولو لَم يطمِسْ نورَهما، لأضاءتا ما بينَ المشرقِ والمغربِ)،[٣] ويقع بجوار المسجد الحرام جبل الصفا وجبل المروة أيضاً، ويختصّ المسجد الحرام بمجموعةٍ من الخصائص التي تميّزه عن غيره، منها: أنّه المسجد الوحيد الذي يحجّ الناس إليه من بين مساجد الأرض، كما خصّه الله -تعالى- بجعله آمناً، وجعل الصلاة فيها تساوي مئة ألف صلاةٍ.[٢]
الحجر الأسود وفضل تقبيله
إنّ للكعبة المشرفة في وضعها الذي هي عليه أربعة أركانٍ، وهي: الركن الغربي، والركن الشمالي، والركن اليماني، وركن الحجر الأسود الذي يعدّ في الحقيقة حجرٌ نزل من الجنة، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (نزلَ الحجرُ الأسوَدُ من الجنةِ، وهُوَ أشَدُّ بياضاً من اللبَنِ، فسَوَّدَتْهُ خَطايا بنِي آدَمَ)،[٤] وقد شُرع في الإسلام تقبيل الحجر الأسود، واستلامه، وأخبر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- عن فضل ذلك؛ فالحجر الأسود سيُبعث يوم القيامة مبصراً ناطقاً، فيشهد على من استلمه بحقّ، ودليل ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (واللهِ ليبعثنَّه اللهُ يومَ القيامةِ، له عينانِ يبصرُ بهما، ولسانٌ ينطقُ به، يشهدُ علَى مَنْ استلمَه بحقٍّ)،[٥] وجاء أيضاً في فضل استلامه والمسح عليه، بأنّ ذلك يحطّ الخطايا عن الإنسان، حيث قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ مسحَ الحجرِ الأسودِ، و الركنَ اليمانيِّ، يَحُطَّانِ الخطايا حطّاً).[٦][٧]
ويظهر ممّا ورد عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّ تقبيل الحجر الأسود واستلامه، والإشارة إليه، والتكبير سنةٌ نبويةٌ، فإذا شقّ ذلك على العبد وصعُب عليه؛ فلا حرج عليه بتركها، والسنة في ذلك أن يفعله المسلم أثناء الطواف بالكعبة المشرفة، وبين الطواف والسعي بين الصفا والمروة، إمّا إن كان ذلك يسبّب الأذى للناس، ويؤدي إلى مزاحمة المسلمين بعضهم بعضاً؛ فلا يكون ذلك مشروعاً حينها، بل يكون ترك ذلك أولى، خاصةً في حقّ النساء؛ وذلك لأنّ استلام الحجر الأسود وتقبيله سنةٌ، أمّا إيذاء الناس ففعلٌ محرّمٌ، فلا يرتكب الإنسان الفعل المحرّم والفعل المسنون في آنٍ واحدٍ.[٨]
الحكمة من مشروعية تقبيل الحجر الأسود
يقبّل المسلمون الحجر الأسود بدافع الحبّ، لا بدافع التعظيم، فالعبد إن أحبّ أولاده، أو زوجته قبّلهم، ولو كان التقبيل دالاً على التعظيم؛ للزم أن يكون جميع الرجال يعبدون زوجاتهم، وذلك أمرٌ غير معقولٍ، وبالتالي فإنّ تقبيل المسلمين للحجر الأسود لا يدلّ على عبادتهم له، وتعظيمهم إيّاه، بل هو امتثالٌ واتّباعٌ محضٌ لسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأفعاله، وهو تعظيمٌ لشعائر الله، وإظهارٌ للعبودية الخالصة له، والتسليم لأوامره، فالمسلمون مأمورن بالقيام بأوامر الله تعالى، وأوامر رسوله الكريم محمد صلّى الله عليه وسلّم، وليس لهم في ذلك أن يتخيّروا ما يشاؤون، حيث إنّ الله نهى عن عبادة الأحجار، والأشجار، والأوثان، وحرّم ذلك، وهو أيضاً من أمر بالطواف حول الكعبة، وشرع تقبيل الحجر الأسود، ولذلك كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول عند تقبيله للحجر الأسود: (إني أعلَمُ أنك حجَرٌ، لا تضُرُّ ولا تنفَعُ، ولولا أني رأيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُقَبِّلُك ما قبَّلتُك).[٩][١٠][١١]
ومن المهم أن يتنبّه العبد المسلم إلى الفرق بين تقبيل الحجر الأسود وبين تقبيل الأضرحة ونحو ذلك، فتقبيل الحجر الأسود مشروعٌ، وقد أخذ المسلمون ذلك من فعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بعد أن أرشدهم إلى أخذ مناسك الحجّ عنه، حيث قال: (يا أَيُّها الناسُ خُذُوا عَنِّي مناسكَكم)،[١٢] أمّا الأضرحة فإنّ تقبيلها يؤدي إلى الشرك، والغلوّ في الصالحين قد يُفضي إلى عبادتهم، وهو أمرٌ خطيرٌ جداً، والحاصل أنّ في اختصاص الحجر الأسود دون غيره بمشروعية التقبيل؛ ابتلاءٌ للمسلم، فعليه أن يمتثل ويخضع لأوامر الله تعالى، وألّا يعترض على شيءٍ منها، بل يسلّم ويذلّ لها.الحجر الأسود
لا شكّ أنّ الحجر الأسود يُعدّ أشرف حجرٍ في الدنيا، فهو حجرٌ من حجارة الجنّة، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
(الحجرُ الأسوَدُ من حجارةِ الجنَّةِ وما في الأرضِ من الجنَّةِ غيرُه )،
[١] وهو أعظم جزءٍ في البيت الحرام كلّه، ويقع في الجهة الشرقية من الركن اليماني الثاني، على ارتفاع مترٍ ونصف المتر عن أرض الحرم، وهو عبارة عن خمسة عشر قطعة مختلفة الحجم، ثمانيةٌ منها ظاهرة للعيّان، وسبعةٌ مغطاة بمعجونٍ مصنوعٍ من الشمع، والمسك، والعنبر، ومن الجدير بالذكر أنّ الحجر الأسود مرّ بالكثير من الأحداث، حيث تمّ استخراجه من مكانه على يد عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي، ومن ثمّ دفنه في بئر زمزم، وكان ذلك في الجاهلية، وبالتحديد عندما أخرجت قبيلة خزاعة قبيلة جرهم من مكة المكرمة، ولكن شائت الأقدار أن تشهد أحد نساء خزاعة دفن الحجر، فأخبرت قومها بمكانه، فأعادوه إلى الى الكعبة المشرفة، ومن الأحداث التي سجّلها التاريخ تصدي خويلد؛ والد أمّ المؤمنين خديجة رضي الله عنها، لتبع عندما أراد نقل الحجر الأسود إلى اليمن، فقام برفقةٍ من رجال قريش بالدفاع عن الحجر الأسود، وابقوه في مكانه، كما قال ابن الأثير: (وهو ـخويلدـ الذي نازع تبعاً حين أراد أخذ الحجر الأسود إلى اليمن، فقام في ذلك الوقت خويلد، وقام معه جماعة من قريش، ثمّ رأى تبع في منامه ما روّعه، فنزع عن ذلك، وترك الحجر الأسود في مكانه)، وفي عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- حدث حريق أثّر على أساس الكعبة، فأعادت قريش بناءها، ولكنّهم اختلفوا في وضع الحجر الأسود في مكانه، ثمّ تحاكموا إلى محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، فحكم بينهم، ووضع الحجر الأسود في مكانه، واستقرّ فيه بفضل حكمته، ولعلّ أشدّ ما مرّ به الحجر الأسود من أحداثٍ كان ما فعله القرامطة في عام ثلاث مئةٍ وثمانية عشر للهجرة، حيث غزا أبو الطاهر القرمطي مكة المكرمة والقطيف واحتلّها، ثمّ نهب الحجر الأسود، ونقله إلى بيتٍ كبيرٍ في قرية الجشّ، ثمّ أمر الناس بالحجّ إلى ذلك البيت، ولكنّ أهل القطيف رفضوا ذلك، فقام بقتل الكثير منهم، ونقل الحجر الأسود إلى الكوفة، إلى أن قام الأمير التركي بجكم بدفع خمسين ألف ديناراً، واستعاد الحجر الأسود.
[٢]
حكم تقبيل الحجر الأسود
ذهب جمهور العلماء إلى القول بمشروعية تقبيل الحجر الأسود خلال الطواف، واستدلّوا بالأثر الذي رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث إنّه قبّل الحجر الأسود، ثمّ قال:
(إنّي أعلَمُ أنك حجَرٌ، لا تضُرُّ ولا تنفَعُ، ولولا أنّي رأيتُ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يُقَبِّلُك ما قبَّلتُك)،
[٣] وقد علّق الإمام النووي في شرحه للحديث السابق بأن حكم تقبيل الحجر الأسود هو الاستحباب بعد الطواف، وكذلك يُستحبّ السجود على الحجر الأسود بوضع الجبهة عليه، فيستحبّ استقبال الحجر ثمّ تقبيله، ثمّ وضع الجبهة عليه، وهذا مذهب الجمهور، وهو رأي عمر بن الخطاب، وابن عباس، والشافعيّ، وأحمد بن حنبل، وطاووس، وقد قال العديد من العلماء بجواز تقبيل الحجر الأسود من غير طوافٍ، وهم بعض علماء المالكية، كما ذُكر في الفواكه الدواني: (ولا بأس بتقبيله بغير طوافٍ؛ ولكن ليس ذلك من شأن الناس)، وقد استدلّوا على ذلك بما رُوي في مصنف ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله عنه، أنّه كان لا يخرج من المسجد حتى يستقبل الحجر الأسود، سواءً كان في طوافٍ أو غير طوافٍ،
[٤] ولا بُدّ من الإشارة إلى إمكانية مسّ الحجر الأسود باليد إذا لم يتسنَ تقبيله، وكذلك يجوز مسّه بشيءٍ في اليد؛ كالعصا مثلاً، فإن لم يُتاح الاقتراب من الحجر الأسود بسبب الزُحام فتكفي الإشارة إليه من بعيدٍ، والتكبير، والدليل على ذلك فعل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عندما تزاحم عليه الناس ليسألونه، فركب الجمل، وطاف عليه، وكان كلّما استقبل الحجر الأسود أشار إليه بيده وكبّر، بالإضافة إلى أنّ مسّ الحجر الأسود وتقبيله، ليس من واجبات الطواف، ولا شروطه، وإنّما يُعتبر من سننه، وإيذاء النفس والناس بمزاحمتهم للوصول إلى الحجر الأسود محذور، فلا يصحّ فعل المحذور لأداء السنة، ويُستفاد من الحديث السابق عدم مشروعية مزاحمة الناس من أجل تقبيل الحجر الأسود.
[٥]الحكمة من تقبيل الحجر الأسود
يرجع السبب في تقبيل الحجر الأسود إلى تعظيم شعائر الله تعالى، واظهار العبودية له، بالإضافة إلى اتباع هدي النبي عليه الصلاة والسلام، فقد روى ابن عباس رضي الله عنه:
(طافَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- على بعيرِهِ، وكان كلَّمَا أَتى على الركنِ، أشارَ إليهِ وكبَّرَ)،
[٦] ورُوي عن ابن عمر -رضي الله عنه- أنّه كان يستلم الحجر بيده، ثمّ يقبّل يديه، ويقول:
(ما تركتُه منذُ رأيتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يفعلُه)،
[٧] وممّا يدلّ على عِظَم قدر الحجر الأسود وفضله حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- عنه، حيث قال:
(واللهِ ليبعثنَّه اللهُ يومَ القيامةِ، له عينانِ يبصرُ بهما، ولسانٌ ينطقُ به، يشهدُ علَى مَنْ استلمَه بحقٍّ)،
[٨] وتجدر الإشارة إلى أنّ تقبيل الحجر الأسود ليس لتعظيمه؛ فهو حجرٌ لا يضرّ ولا ينفع، ولكن لأنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- شرّع تقبيله عبادةً لله.
[٩]