موضوع: لغة الحنان هَل نتقنها؟ الجمعة يوليو 17, 2020 2:51 am
كل اللغات تترجم بالقلم ، إلا لغة الرفق والحنان
فلا يترجمها سوى القلب , فلست أظن أن هناك قلبا
يخلو من صفة الحنان مهما بلغت قسوته , إلا أن يكون قلبا اسود خبيثا . نعم قد تتفاوت درجات الحنان داخل القلوب , فمنها المقل ومنها المكثر، بل إن بعض الناس لديها
الكثير من الحنان لكنهم لا يحسنون التعبير عنه بأي شكل من الأشكال . فالحنان هو العملة التى لا يتداولها الناس , لكنهم جميعا في احتياج إليها , لذلك فإنها تعد
من أغلى و أسمى العملات ...
عملة نفتقدها في زمننا الحالي . إنه هو اليد التى تربت على أكتافنا في منتصف الطريق , وهو الكلمة الرقيقة التي تداوى جروح قلوبنا في اوقات الانكسار , نجده في من يكفكف دمعاتنا
عندما يغيب الجميع و لا يبقى سوى أهل الحنان المقربين . لذا نجد الأسرة التى يغيب عنها الحنان قد غاب عنها كل شيء , بل لا ابالغ إذا قلت قد غابت عنها المشاعر الانسانية . فيا ليت كل زوجين يتحلوا بهذه الصفة , فالحنان بين الزوجين من أهم العوامل التي توحد بين قلبي الزوجين فتظل على حالة من التواصل المستمر . وارقى صور تقديم الحنان لتصبح الاسرة هي الحضن الدافئ لكل أفرادها و الملجأ الأمين لهم هي الأسس
التي أقامها ديننا الاسلامي العظيم ووضحها في
العلاقة التي يجب أن تكون بين الزوجين كما في قوله تعالى ( ومن آياته أن خلق لكم من انفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة و رحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) الروم 21
فحنان الزوج على زوجته هو البوابة الأولى للدخول
إلى قلبها , يظهر باهتمامه بها في صحتها وفي مرضها , في شبابها و كبرها ، في صوابها وفي خطئها .. ورغم أن الزوج قد يقوم بكل حقوقه الزوجية من النفقة و تأمين السكن , لكن ببعض السلوكيات السيئة البعيدة عن الحنان يترك بيتهما الحب والمودة و تمتد كل آثار ذلك علي جميع الأسرة ، ذلك عندما
يغيب الزوج عن زوجته في الحوار أو التفقد أو
المبادلة الرقيقة أو كلمات التقدير والرحمة ،
فبالتدريج يفتقدا المودة و السكن النفسي .. وقد يظهر حنان الزوجة علي زوجها عندما تقدر جهده الذي يبذله من أجلهم ، مخففة عنه تعبه بالكلمة الطيبة
و الابتسامة الصادقة . ويظهر عندما تأخذ بيده في الأزمات و المحن
ووقت الضيق , محافظة على نفسه وعرضه وماله وقت الرخاء و السعة ، وعندما تبعد عن كل ما يضايقه و تجتهد في البحث عن راحته . وعندما يكون الأبوان هكذا , فهم أهم العوامل المؤثرة على أبنائهم ، إذ هم عالمهم المحيط بهم المؤثر
عليهم بشكل مباشر . وعندما تجف المشاعر بين الزوجين تنعكس على الأبناء , رغم انهم يحبون أولادهم جدا لكنهم لا يستطيعون التعبير عن هذا الحب , مما يشعر الأبناء بفقدان الأمان . فالأبناء يحتاجون لتيار عاطفي دافئ و جو أسرى ينعم بالألفة و المودة و المحبة و الحنان , ولن يتحقق هذا
إلا بتبادل الاحترام بين الأفراد مع حرص الأبوين على التواجد النفسي والواقعي بشكل كبير مع الأبناء . و الحنان يظهر هنا في استخدام الرفق و اللين في التعامل معهم مع الحزم عند الضرورة فقط ,
وليعلم الأبوان أن الحزم المتكرر المتقارب لن يغير السلوك التربوي عند الأبناء , بل يزرع فجوة بينهم , فسلوك الابن لا يتغير بشكل متعجل , بل يلزمه الوقت مع الاستمرار ليؤتي ثماره . و قد يبطن الأبوان الحنان داخلهم لدى الأبناء و يظهروه في صوره عكسية , ويظنون أن عزاءهم في ذلك كون هدفهم هو إصلاحهم . و قد تدمر هذه الأساليب المستخدمة لإصلاحهم
ثقتهم بأنفسهم كمقارنتهم مع إخوانهم و أصحابهم أو النقد و التوبيخ أو التهديد المستمر أو التخويف أو الصراخ , كل هذه السلوكيات تصدر من الأبوين ليست بفرض القسوة و لكن حبا و خوفا عليهم , لكن كل أساليب الضغط هذه لا تولد إلا جفاء و كرها و بعدا بين الآباء و الأبناء . أما إذا كانت بينهم لغة حوار هادئة رقيقة حانية , فسيشعر الابن بمحبة والديه و حنانهم , و ستزيد طمأنينة و ستهدأ نفسه , سيستقر سلوكه و سيعتدل
بمجرد أن لغة الحنان قد ترجمت بأسلوب طيب . وكما يحتاج الأبناء الحنان من الآباء أيضا لا يقل
الآباء احتياجا للحنان من ناحية الأبناء خاصة في
كبرهم لقوله تعالى :*
(إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما... )
والحنان لا يقتصر بين الآباء و الأبناء , و لكن يكون بين الأبناء بعضهم البعض فالكبير يعطف
و يقدم الحنان لإخوته الصغار , و الصغير يرد
الحنان له بالاحترام و الشكر . فبالكلمة الطيبة و الابتسامة الرقيقة و احتواء كل منهما الآخر و الإيثار فيما بينهم و التخلق بالحلم
و الصبر و عدم تصلب كل منهما لرأيه و مبادرة
التسامح و العفو و الصفح , و مشاركة الأفراد بعضهم في الأفراح و الأحزان , كل هذه الأمور قد تبنى
جسورا من الحنان يسيرون عليها تصل بهم إلى بر الأمان